الاثنين، مايو 05، 2014

الإخوان المسلمون ومنجز الديمقراطية الضائع

في تصوري فإن أحد المنجزات المعتبرة للديمقراطية في زمننا هذا هو تأمين وتقنين وتشريع طريقة "سلمية" لا سفك فيها للدماء يسلكها مجموعة المتنافسين والراغبين في حكم الناس. وهذا المنجز هو ثمرة نضال قرون في أوروبا، كان آخرها القرن العشرين.  وقد استفادت أمم كثيرة معاصرة من هذه الثمرة.

لقد كلف المتهافتون على "السلطة" البشريةَ الكثير من الدماء في العصر الوسيط. فلم يكن سبيل الوصول إلى السلطة، و من ثمّ التحكم في الثروة متاحًا سوى لقساة القلوب الذي يقدرون على قتل أي منافس ولو كان ذا قربى. وكان ذلك النمط سائدًا عند جميع أمم العصر الوسيط، ومنهم أمة الإسلام. 

لقد منعتنا الصور النمطية الراسخة في الأذهان عن كبار الفاتحين أن نرى تاريخنا  كجزء من تاريخ العصر الوسيط، فتسري عليه أنماطه في السياسة والاقتصاد والحكم.  قامت الخلافة الأموية وتثبّت حكمها على أشلاء آل بيت الرسول، ثم دارت عليهم الأيام واستطاع العباسيون هدم خلافتهم لإقامة خلافة جديدة. ثم لم يهدأ المنصور حتى قتل من تبقى من البيت الأموي في مجرزة جماعية ليبيد منافسيه القدامى ويردع ويخضع منافسيه الجدد.  ثم جاءهم المغول فأبادوا من الناس أقواما ومن العمران مدنًا. ثم احتدم الصراع السني الشيعي، حتى أصبحت حوادث القتل الجماعي دواليك بين أصحاب المذهبين عبر القرون. ثم تغلبت الخلافة العثمانية حتى ضمت إليها أقوامًا وبلدانًا في أوروبا وفي حوض المتوسط بالقوة القاهرة وبترهيب السيف، فإمّا الخضوع وإمّا الفناء. وحين جاءت الفرصة لمحمد علي للاستقلال عن الإمبراطورية العثمانية، قام بذبح من كانوا يحكمون مصر قبله وهم المماليك في دفعة واحدة، وطارد من تبقى منهم؛ ثم أجبر عمر مكرم على الانعزال حتى لا يبقى له منافس. 

وبناء على هذا النمط، فإن المجازر التي ارتكبها السيسي في العام المنصرم  لإفناءالقوة المدنية المنافسة له على السلطة هي امتداد معاصر لهذا التقليد الدموي المستمر من العصور الوسطى الساعي للاستفراد بالسلطة.  إنه الابن الشرعي للمتغلبين بالقوة القاهرة، وبسفك الدماء. 

أمّا الإخوان المسلمون، فإن تجربتهم القصيرة في الوصول إلى السلطة في عام 2012 تمثل الانقطاع الحقيقي مع نمط انتقال السلطة الدموي المتجذر في تقاليد العصور الوسطى. ففي خلال ثمانين عامًا مرت على عمر هذه الجماعة لم تحاول أن تستهدف منافسيها على الحكم فتخطط لقتلهم مثلاً أو التخلص منهم. بل انتظرت في صبر تُحسد عليه فرصة تاريخية تأتيها لتخوض انتخابات سلمية تصعد بها إلى سدة الحكم. لقد مثلت هذه الجماعة _في الحقيقة_انقطاعًا حداثيّا مع دموية عصور ما قبل الحداثة التي يواصلها الجنرال السيسي. 

لقد أعطى الكارهون لهذه الجماعة والغاضبون منها في 30 يونيو 2013  الفرصةَ على طبق من ذهب لمالكي قوة السلاح والثروات للارتداد بنا مرة أخرى إلى النمط الدموي لانتقال السلطة، بعد أن نجح الإخوان المسلمون _بالصبر وحده_ في كسر هذا النمط. 

لقد أضعنا في الحقيقة المكتسبَ الوحيد لثورة يناير والذي تمثل في نظري في ترسيخ نمط سلمي للوصول إلى السلطة. وإنّ استرداد هذا المكتسب وحفظ الدماء من أن تسفك قربانًا للمتغلبين والطامحين هو واجب نضالنا ومناط تحررنا لو فقهنا. 

هناك تعليقان (2):

  1. انا مش قادر أفهم أوى الفكرة الاساسية فى المقال،متفق فى إن الفتوحات الإسلامية كان يسرى عليها ما يسرى على عصرها و ترى فى سياقها التاريخى لا برؤية رومانسية.غير ذلك لا يوجد شىء واضح،يعنى القول بأن الديموقراطية فى حد ذاتها انقطاع عن الوصول للحكم بالدم هو فى حد ذاته فصل للديموقراطية عن سياقها التاريخى و جعلها قيمة فى حد ذاتها و هو ما يتنافى مع الفكرة السابقة،كما أنه كلام يمكن الطعن فيه بسهولة بالقول أن الديموقراطية لم تمنع الدول التى تنتهجها من ارتكاب مجازر فى بلاد مختلفة لا مجال لسردها هنا،ثم أعود لأتفق معك فى أن الانتخابات هى المكسب الوحيد للثورة و لا علاقة لذلك لسفك دماء للوصول للحكم قبلها فلا عبد الناصر ولا السادات مثلا أتوا بسفك دماء و لا علاقة لذلك بوجود ديموقراطية أم لا ،أتصور أن الأدق هو أن مكسب الثورة كان الانتخابات التى نعنى الانتقال على مستوى الخطاب من الخطاب الأمنى الإقصائى لخطاب بنائى ما يعنى التحول للاقتصاد الانتاجى اقتصاديا و وجود حقوق المواطنة سياسيا ما يترتب عليه تغير التركيبة الاجتماعية مع الوقت...إلخ

    ردحذف
  2. اتفق معاكي تماما بأن أحد مكتسبات الثورة هو التغيير السلمي للسلطة وإن لم يكن الوحيد فالثورة قامت ومازالت بخلخلة المجتمع وزيادة حراكة قلت أم كثرت في المراحل المختلفة منذ الثورة إلي الآن رضينا بنتائج الخلخلة أم لم نرضي
    أما التغيير في العصر الوسيط فلا اري رابط بينه وبين الان إلا استدعاء للتاريخ بشكل غير منطقي ن ففي التاريخ المعاصر ما يكفي لان نقول ان التغيير كان بالقوةن فلا نستطيع القول أن عصرنا بدأ بمحمد علي وننسي مائتي عام من ترسيخ التغيير بالقوة عن طريق الاستعمار والفساد

    ردحذف