الخميس، مايو 31، 2012

لماذا نجح أبو الفتوح؟ : رؤية من الخارج





حكم كثير من المحللين  على أبو الفتوح بالإخفاق قياسًا إلى المفاهيم البراجماتية للفوز والخسارة، التي تعتبر الفوز هو الوصول إلى السلطة عن طريق حصد أعلى رقم من أصوات الناخبين، والإخفاق هو حصد عدد أصوات أقل، وذلك عن طريق العملية الانتخابية الديمقراطية التي تترجم في النهاية إلى رقم (معيار كمي). وهذا المفهوم للفوز أو الخسارة، وإن ناسب الدول الليبرالية الديمقراطية التي بنيت  العملية الديمقراطية فيها على أساس فكري تعلو فيه قيمة الحرية والفردية، و وتأسست على قاعدة من التعليم الأساسي والعالي الذي يتمتع به المواطنون. ولكن، في سياق مثل السياق المصري الذي يتلمس طريقه نحو مفاهيم للحرية والعدالة تناسب ثقافته وتاريخه الفكري والسياسي ومستقبله المأمول، ويقاتل في الوقت نفسه جبهة عريضة من شبكات المصالح والمنافع والعبيد، لتخلية الطريق نحو المستقبل المأمول، فإنّ مفهوم الفوز والخسارة لابدّ وأن يختلف. 


وإذا تبنينا مفهومًا للفوز والخسارة يعتمد على الكيف والنوع في مقابل الكم، ويعتمد على تحصيل النقاط في مقابل نعم/لا، فإنّ حصول أبو الفتوح _المتحرر من شرنقة الإخوان المسلمين بعد الثورة_ على ما يزيد على أربعة ملايين صوت  حصيلة عام واحد من الجهد والعمل يعني نجاحه هو وفريقه في إنجازات ثلاثة على الأقل تمت بالتوازي في وقت واحد . إنجاز أول انتخابي يتعلق بأخلاقيات كسب الأصوات، وإنجاز ثان وطني يتعلق ببناء مشروع واقعي لبناء مصر، وإنجاز ثالث فكري يتعلق بالتمهيد لبناء مقولات فكرية متجاوزة لميراث أيديولوجيات القرن العشرين. 


اعتمدت  الحملة الانتخابية في كسب الأصوات طرقًا نستطيع أن نصفها بالأخلاقية والنزاهة والمنافسة الشريفة. هذه الطرق تختلف جوهريًّا عن أساليب الإخوان الانتخابية التي اتبعتها حملة الشاطر/ مرسي، فضلا عن أساليب الحزب الوطني التي اتبعتها حملة شفيق. وهما الوسيلتان البراجماتيتان اللتان أثبتتا قدرتهما على حصد 50% من الأصوات. إنّ نسبة 17% من الناخبين التي حصل عليها أبو الفتوح تعني أنّ هناك 17 مصري من كل 100 مصري، يستجيبون لخطاب يتوجه إلى عقولهم وضمائرهم، ولا يستغل احتياجاتهم الآنية الضاغطة، أو يبث في روعهم أوهامًا وتخوفات غير واقعية. هناك أربعة ملايين مصري غير قابل لشراء ضميره أو إيهامه أو إلقاء الفتات له في مقابل وعود مستقبلية مجرورة. إن الملايين الأربعة لأبو الفتوح تختلف نوعيًّا عن ملايين مرسي أو شفيق الخمسة. 


أمّا المهمة الثانية التي بدأ فريق أبو الفتوح في إنجاها فهي تطوير مشروع لإعادة بناء مصر المسمّى (مصر القوية)، وتحويل قيم الثورة (عيش، حرية، عدالة اجتماعية) إلى برامج يمكن تنفيذها ومتابعتها، بالإضافة إلى المهنية واتّباع مشورة أهل الخبرة، وهو ما حاول تحقيقه من خلال تكوين فريق رئاسي. وعلى الرغم أنّ مشكلات مصر يدركها كل من ترشح للرئاسة تقريبًا، إلاّ أنّ حملة أبو الفتوح نجحت في تطوير خطط تنفيذية ذات توقيتات مقترحة  لحل مشكلات مصر وإصلاح ما أفسده حكم العسكر. 


أمّا الإنجاز الثالث، فهو محاولة تطوير تيار فكري جديد يتجاوز أطروحات ما يسمّى ب(الإسلام السياسي). أطروحات هذا التيار  ما تزال غضّة وفي طور التكوين، وحالمة بقدر كبير، ومازالت قائمة على على تفكيك تيار الإسلام السياسي الذي ساد القرن العشرين دون تركيب أطروحات جديدة. على سبيل المثال، ما تزال أطروحة (دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية) غير واضحة عند التطبيق العملي. و على الرغم من أهمية البدء والتجريب إلاّ أنّ المحاولة يشوبها الكثير من النقص والضبابية فالعباءة الواسعة التي ارتداها أبو الفتوح لجمع الليبراليين، والإسلاميين بأطيافهم والاشتراكيين بأطيافهم، في حلم يتجاوز الأيديولوجيات باتجاه الوطن كهدف واحد، تحتاج لإعادة تهذيب. في الحقيقة إن هذه التصنيفات ليست ذات بال أصلاً نتيجة ضحالة كثير من المثقفين في فهم هذه الأيديلوجيات والمذاهب التي يتبنونها، فضلا عن عدم قدرتهم على تطوير مشروعات سياسية عملية قابلة للتنفيذ منبثقة من هذه المذاهب. وعلى الرغم من أهمية تهذيب هذه المحاولة لبناء تيار متجانس، فإنّ محاولة تيار أبو الفتوح إذابة الفوارق الأيديولوجية إنّما هي إعادة الأمر إلى أصله، فتعدد المرجعيات هو تعدد مستورد، لم يكن وليد تاريخنا الفكري والاجتماعي والاقتصادي، الذي لم يؤدّ _في حقيقة الأمر_ إلى بروز ما يسمّى بالليبرالية أو الاشتراكية. بل كانت هذه المذاهب مصدّرة إلى منطقة الشرق الأوسط في القرن العشرين. صُدّرت الليبرالية في فترة الاحتلال، وصُدّرت الاشتراكية في في فترة الاستقلال باعتبارها الأيديولوجية الراعية لحركات التحرر والتحرير في بلدان كثيرة.


 الآن تخبرنا تجربة و نتائج حملة أبو الفتوح أن هذه الأيديولوجيات ليست بذات فعالية كبيرة، وأنّ حلمًا وطنيًّا من الممكن أن يذيبها ويشملها. ولا شك أنّ مجرد إدراك عدم فاعلية هذه المذاهب في حلّ مشاكلنا، وإدراك أنّ هناك مايجمعنا، ويمثل لنا همًّا مشتركًا هو خطوة في سبيل بناء مرجعية متجاوزة تأخذ في الاعتبار التاريخ الفكري والديني والاجتماعي والاقتصادي لمصر. وما يجب أن يعكف عليه خريجو هذه الحملة هو أن يقيموا نتائج تجربتهم ويطوروا بعض أطروحاتها، وأن يهتموا ببناء محتواها أكثر من طلاء واجهة الاصطلاحات.


وخلاصة القول، إنّ الحملة الانتخابية لأبو الفتوح لم تكن حملة انتخابية فقط، إنّما كانت فكرًا سياسيًّا ومشروعًا وطنيًّا وأخلاقًا عمليّة انتخابية، وستسمر روحًا وتيارًا يسري في المجتمع حتى يحين الوقت الذي نتنسم فيه عبير مصر القوية بإذن الله.