الأربعاء، ديسمبر 11، 2013

منتحل معاصر ساذج

نبهني أحد الأصدقاء أن هناك موقعًا إلكترونيًّا يُدعى (موقع التغيير) قد سرق تدوينتي "تأملات في رمز رابعة". وقد أغفل الموقع المذكور نسبة التدوينة/المقالة لي، وآثر عدم ذكر اسم مؤلف على الإطلاق، هذا على اعتبار أنّ الحروف من الممكن أن تنتظم لوحدها دون مؤلف لتكون جملاً مترابطة تؤدي إلى معاني واضحة. واكتفى بذكر أنّ المصدر في نهاية المقالة هو (التغيير)!!

ويبدو أن هذا الموقع قد وظّف أحدهم في وظيفة (منتحل وسارق) حيث يقوم شاغل هذه الوظيفة بمتابعة أبرز ما كتب على الإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعي؛ ليسرق جهد الآخرين واجتهادهم لينشره على موقعه ويملأ محتواه. وموقع التغيير هذا موقع وهمي، يوهم متابعيه بكونه مصدرًا للمواد الإخبارية والصحفية والفكرية، وما هو إلا موقع تجميعي يعتمد على السرقة والانتحال وعلى النقل أحيانًا. وإن نهجه الخاطئ هذا يدل بوضوح أنّه ليس مؤسسة كما يحاول أن يوهم، بل ما هو إلاّ ثلّة من المنتفعين الذين لا يريدون سوى استمرار ما يتسبب فيه هذا الموقع من "سبوبة" يدرها عليهم بعض الناس.

ويبدو أنّ يوم العمل في  6 أكتوبر 2013  قد طال بصاحبنا عوضًا عن أن يحصل على أجازة! فقد نشرت تدوينة تأملات في رمز رابعة على مدونتي كتابات حرة في الساعة 10:52 صباحًا، و حين تنبه السارق نشرها في الساعة 07:57 مساءً بعنوان تأملات في رمز رابعة العدوية، ثم نقلت عنه مواقع سارقة أخرى، وهي: موقع كلمتي في الساعة 08:46 مساء، وموقع مصرس، وموقع  كوكتيل!  

لم ينتبه سارق التدوينة أنني أقوم بتحديثها باستمرار كلمّا عنّت لي فكرة أضفتها حتى أصبحت التدوينة اليوم مختلفة عن التدوينة الأصلية التي نشرتها في 6 أكتوبر.

وما لا يعرفه هذا الموقع أنّ طريقة سرقته غاية في السذاجة والسطحية والغفلة، فيمكن إذًا أن نضيف للقبه الوظيفي كلمة (مغفل) ليصبح (سارق ومنتحل ومغفل)؛ إذ ما هو إلاّ موقع على الشبكة العالمية يمكن بضغطة زر واحدة اكتشاف المؤلف الحقيقي.

مورس الانتحال منذ أقدم العصور وفي معظم الحضارات. وقد كان أسلافنا متساهلين في النقل عن بعضهم، حتى إنّ بعضهم ليسرق كتبًا كاملة من آخر دون ذكر اسمه. على سبيل المثال، كتب صاعد الأندلسي (420-462 ه) في الأندلس كتابًا يدعى (التعريف بطبقات الأمم)، يسرد فيه خبر أمم سالفة وأمم معاصرة له، ولابد أنّ مادة كتابه قد استقاها من كتب أخرى، لكنه لا يذكرها لنا. ثم يأتي القفطي (568-646 ه) ،الذي سكن القاهرة والقدس وحران، بعد صاعد بأكثر من مائة عام ليسرق كتابه هذا حرفيًّا دون أن يذكر صاعد ببنت شفة. ثمّ يضيف عليه ويخرجه باسم (تاريخ الحكماء).

 ما دافع السرقة؟ هل هو أمن الفضيحة! لا نعرف! من الملاحظ الفرق الزمني والجغرافي الكبير بين المؤلفين، فربما وصلت مخطوطة كتاب صاعد إلى القفطي واستحوذ عليها ونقلها إلى كتابه لينال شرف التأليف. ومن المرجح أنّ أهل العلم في عصره وبلاده لم تعرف صاعد. 

 يُفتضح أمر السرقة ولو بعد حين، فالآن يستطيع الباحث المعاصر أن يطلب كتاب صاعد بتحقيق حسين مؤنس أو غلامرضا، ويطلب كتاب القفطي بتحقيق يوليوس ليبرت، ويرى بوضوح ماذا سرق القفطي من صاعد.

لسنا بحاجة لانتظار كل هذه القرون! فيكفي أن ينبهك أحد الأصدقاء أو أن تستشير العم (جوجل) ليخبرك على الفور من سرقك!

الانتحال الآن يعد جريمة أكاديمة وصحفية، فإذا ثبت انتحال أحد الطلاب أو الأساتذة فمصيره الطرد من الجامعة، إن كانت جامعة تتبع المعايير الأكاديمية. وإن ثبت انتحال صحفي، فإنه يواجه عقوبات تصل إلى الفصل من عمله، بالإضافة إلى العقوبة الأشد وهي تشويه سمعته. ويحضرني هنا مثال (فريد زكريا) الإعلامي في شبكة السي إن إن وكاتب العمود في مجلة (تايم)، الذي انتحل فقرة واحدة من أحد المؤلفين. ومع أنه سارع بالاعتراف والاعتذار فإنّ هذا لم يعفه من عقوبة تعليق عمله لمدة شهر من جريدة (التايم).  راجع هذا الرابط

نصيحتي لموقع التغيير، إذا كنت تريد أن تكون منتحلاً معاصرًا محترفًا، فعليك اتبّاع وسائل أكثر دهاء واحترافية! ولا يغرنك هروبك من المقاضاة في مصر وغيرها من البلدان، فيكفيك تدهور سمعتك، وتحقير شأنك.


الثلاثاء، ديسمبر 10، 2013

أرسطو يبغض الربا


تميز أرسطوطاليس بمذهبه المتسق مع نفسه والمتمحور حول مفهومه ل (الطبيعة)؛ فالطبيعة هي دائمًا معيار أرسطوطاليس في مدح الأشياء أوذمّها، وفي قبول أخرى أورفضها.

في كتابه (السياسة) يحدثنا أرسطو طاليس عن (أبواب الرزق الطبيعي وغير الطبيعي) ومنهجه المعتاد هو وصف وحصر الآراء والأفعال السائدة في عصره في موضوع بحثه، وتقييمها ومن ثمّ ترجيح مذهبه الخاص.

يرى أرسطوطاليس أن فن الكسب على نوعين، أحدهما محمود وهو (فن الاقتصاد) والآخر مذموم وهو (فن التجارة). ومعيار الحكم أن أولهما طبيعي والثاني غير طبيعي. الأول يتوجه إلى الطبيعة مباشرة ليكتسب منها عبر فنون هي الرعاية والزراعة وصيد السمك وقنص الوحوش والطيور، وقد يبادل شيئًا بآخر. أمّا التجارة فقد اخترعت النقد للمبادلة، والنقد شيء غير طبيعي اخترعه البشر واصطلحوا عليه فليس له قيمة في ذاته في رأي أرسطو إلا بقدر اصطلاح النّاس، فإن أزالوا الاصطلاح لم يعد للنقد قيمة.

وبناء عليه، فقد رفض أرسطو الربا رفضًا تامًّا لأنه نقد نُمّي عن طريق النقد نفسه، فهو ينافي الطبيعة أعظم منافاة. يقول الفيلسوف: "...ولقد أبغضوه لأن ربحه من النقد نفسه، لا ممّا جُعل له النقد؛ إذ جعلت النقود للمبادلة. وأمّا الربا فهو ينمي النقد نفسه؛ ومن هذا الأمر نال اسمه. لأن المواليد شبيهة بوالديها. وما الربا إلا نقد النقد. ومن ثمّ فهو بين أصناف الغنى ما ينافي الطبيعة أعظم منافاة" (السياسة 1258 ب 5)