الخميس، يونيو 23، 2016

تأمل في الصيام

نشر في مصر العربية. 21 يونيو 2016. 

الصيام هو الامتناع الكلي أو الجزئي عن الطعام والشراب والجنس لفترات زمنية محدّدة "أيامًا معدودات".

وفي الأصل، فالصوم هو "الإمساك عن الفعل مطعمًا كان، أو كلامًا أو مشيًا." كما قال الراغب الأصفهاني في كتابه "مفردات القرآن." وبالتالي يأخذ الصوم أشكالاً متعددة حين ممارسته بدافع الامتثال لأوامر الدين، أوبدافع تحقيق فوائد صحية وطبية في حالة اتباع حميات غذائية، أوبدافع تحقيق مبادئ ومكاسب سياسية في حالة الإضراب عن الطعام.

في الطب، فقد عرُف الصيام وأوصى به الأطبّاء منذ مورس الطب القديم للعلاج أو الوقاية من الأمراض. وفي السياسة، فالإضراب الجزئي أو الكلّي عن الطعام و الشراب هو شكل من أشكال الصيام، لكن يحدّده المُضرب، كوسيلة من وسائل الاعتراض والمقاومة لأجل مبدأ معيّن، ولتحقيق مكسب معين، مثل أن يضرب سجين رأي عن الطعام احتجاجًا على سلب حريّته ومطالبة بها، أو لتحسين أوضاعه في السجن.

في الدين، فالصوم عبادة مكتوبة كسائر العبادات، "كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم." وفي الإسلام، فالصوم، كما قال الأصفهاني، هو "إمساك المكلّف بالنية من الخيط الأبيض إلى الخيط الأسود عن تناول الأطيبين، والاستمناء والاستقاء." أداء الصيام عبر هذا الامتناع الكامل يجعل للصيام حكم معينة في الإسلام تختلف عن حكم الصيام المسيحي مثلاً أو الصيام السياسي/الإضراب عن الطعام، أو الصيام الطبّي/الحمية الغذائية.

الصيام هو العبادة الوحيدة في الإسلام التي لا يمكن لأحد أن يطّلع فيها على حقيقة صوم أحد آخر. الصيام سر بين العبد وربه "فإنّه لي وأنا أجزي به." يعلمنا الصيام إذًا الصدق مع أنفسنا، وأن يكون مظهرنا مثل مخبرنا، أو سرّنا مثل علانيتنا، "لعلكم تتقون."

كما أنّ الامتناع الطوعي عن المفطرات استجابةً للتوجيه الديني، يربّي الصائم ويدربه على ضبط النفس. ويعزز النفس ويقويها ويؤهلها لتتسيّد على البدن واحتياجاته ومتطلباته.

ماهية الصيام في الإسلام معتمدة على قطع اتصال الإنسان بشرائط الوجود. فعلى المستوى الفردي، لا يمكن لكائن حيّ أن يستمرّ في الحياة دون غذاء، كما ينقطع النوع عن الحياة دون الاتصال الجنسي الذي يضمن التكاثر. و لأن الصيام يقطع الاتصال بشرائط الوجود، فإن الصيام متقطّع، حيث نصوم من طلوع الشمس حتى غروبها كل يوم، ثم نكرر ذلك لثلاثين يوم فقط. قد يصاب الصائم بالجفاف وانخفاض مستوى السكر في الدم، وبالتالي فقد الطاقة للعمل في الساعات الأخيرة للصيام. يجعلك الصيام إذًا على حافّة الحياة قبيل المغرب ثمّ يعيدك للحياة مرة أخرى حين الأذان وموعد الإفطار. ولذا، ففرض الصيام في الإسلام مرفوع عن المرضى والمسافرين، إذ لا يمكن لجسد أن يتحمل تجربة الانقطاع التام عن الغذاء سوى الجسد السليم.

لا تشبه هذه الطريقة حياة الفقراء، الذين يستطيعون الحصول على بعض الأطعمة دون غيرها لارتفاع أثمانها، كما يمكنهم الحصول بسهولة على الماء.  ولذا فلا أرى أنّ الحكمة من الصيام في الإسلام هو الشعور بالفقراء ومشاركتهم. في المعتاد، لا يمتنع الفقراء عن الشراب وعن الطعام والجنس تمامًا من طلوع الشمس حتى الغروب. بل في الحقيقة، يتشارك الفقراء والأغنياء سواسية في تجربة الصيام. كما يميل المسلمون للاعتناء أكثر بالطعام نوعًا وكمًّا للفطر في رمضان، وينفقون على ذلك المال الكثير. وعلى رغم أنه قد يكون من المستحب تجنب السلوك الاستهلاكي، ففي الحقيقة لا يوجد نص ديني مباشر يأمر بالاقتصاد المطلق في الطعام والشراب بعد الفطر.

في الحقيقة، فإنّ الامتناع التامّ عن الطعام والشراب، يشبه حياة من يتعرضون للمجاعة بسبب كوارث طبيعية، أو التجويع بسبب صراعات سياسية أمثال الواقعين تحت الحصار في هذه اللحظة في تسعة عشر مدينة سورية. ولذا فالصيام الذي نمتنع فيه اختيارًا عن الطعام والشراب تمامًا لا يجعلنا نشعر  في الحقيقة بآلام الفقراء، بل بآلام الممنوعين قسرًا عن الطعام والشراب، وبالتالي الفاقدين لشرائط الحياة. يذيقنا الصيام تجربة الامتناع عن الطعام والشراب، ليذكرنا أنّ هذا الامتناع الاختياري المتقطع يمكن أن يحدث قسرًا وكاملاً. وأنّ علينا أن نسعى لمنع ذلك.

وعلى عكس الصيام في الإسلام، فإنّ الصيام في المسيحية يحقق حالة معايشة الفقراء حياتهم. إذ يمتنع المسيحيون عن كل الأطعمة الحيوانية، ومشتقاتها، في حين يستمرون في تناول الأطعمة النباتية مدة تصل إلى أربعين أو خمسين يومًا. يختار الأغنياء طوعًا في هذا الصيام ترك المأكولات ذات الثمن المرتفع، والاقتصار على المأكولات النباتية ذات الثمن الأقل، والتي عادة ما يستطع الفقراء شراءها وتناولها. الصيام المسيحي لا يقطع الاتصال بشرائط الوجود إذًا، بل يبقيها كما هي، ويوصل الصائم، لى درجة أعلى من المشاركة الاجتماعية والزهد الاختياري. هذا الصيام له فوائده الصحية، وهو أصل نظام الحمية "الفيجان vagan".
 
الصيام، عبادة مكتوبة، كتبت علينا وكتبت على الأمم من قبلنا. ويبقى الصيام تجربة ذاتية، تعطي حكمها لمن يتحقق بها.

السبت، يونيو 04، 2016

دعوة للمشاركة في مبادرة نصوص

لو كنت من المهتمين بالفلسفة ووجدت نفسك في القاهرة، ولديك عدة سويعات في الأسبوع تقضيها بصحبة نص فلسفي، فتفضل/ي بالمشاركة في "نصوص" 

للمشاركة، برجاء ملء الاستمارة الآتية. هنا


جانت من الحلقة النقاشية الأولى لنص "حي بن يقظان"


النص الثالث: جدلية العبد والسيد لهيجل

قرأنا النص يوم 8 يونيو 2016 في جمعية مساحة.  

النص الثاني: محاورة الدفاع لأفلاطون

قرأنا محاورة الدفاع لأفلاطون في جمعية مساحة يوم 2 يونيو 2016.