الاثنين، مايو 12، 2014

هل كان القاضي عبد الجبار معتزليًّا؟ وهل كان ذا نزعة عقلية؟

لقد واتتني الفرصة أخيرًا لقراءة القاضي عبد الجبار بن أحمد الهمداني. وذلك في إطار بحثي عن النبوة والإمامة لأجل الجامعة. وما إن قرأت عدة ورقات حتّى وجدت معظم مسلمّاتي التي تعلمتها من الكتب الثانوية المرجعية ومن الأساتذة تنتقض! 

كنت قد تعلمت أنّ القاضي معتزلي وإذا به ينقض كثيرًا من آراء المعتزلة في كتابه "شرح الأصول الخمسة"! على سبيل المثال، ترى المعتزلة أنّ طريق الإمامة هو العقد والاختيار بينما يرى القاضي أن طريق الإمامة هو النص في الثلاثة _أي علي والحسن والحسين_ والخروج والدعوة في زيد بن علي وباقي الأئمة! ترى هل كان القاضي زيديًّا إذًا، وهل هذا هو سبب اكتشاف مخطوطاته في اليمن! 

وعندما فتحت المغني، وجدت أنّ القاضي يتكلم عن العقد والاختيار وعن إمامة الراشدين! وهو ما يتناقض مع ما ذهب إليه في شرح الأصول الخمسة! ترى هل كان القاضي مؤلف الكتابين؟ أم بدأ معتزليّا وانتهى زيديًّأ أو العكس؟ 

كنت قد تعلمت كذلك أن المعتزلة أهل عقل، يستدلون بالدليل العقلي دائمًا! ولكن القاضي يستدل غالبًا بالشرع، فهو يرى مثلاً أنّ حكم وجوب الإمامة حكمٌ شرعيّ وليس حكمًا عقليًّا! وينكر على من يقول أنّ حكم وجوب الإمامة حكم عقليّ! "...ومعلوم أنّ الإمام إنّما يحتاج إليه لتنفيذ الأحكام الشرعية، فكيف يصح أن تعلم الحاجة إليه عقليًّا؟" هكذا تساءل القاضي عبد الجبار في شرح الأصول الخمسة. (759) 

الأحد، مايو 11، 2014

الشيعة والتكفير

ومن عجائب الشيعة المعاصرين أنهم يسمون المجاهدين في سوريا جملة ودون تفريق "التكفيريون" في حين أنهم اعتادوا التكفير منذ أربعة عشر قرنًا: 

"...وأمّا الإمامية فقد ذهبت إلى أنّ الطريق إلى إمامة الاثنى عشر النص الجلي الذي يكفر من أنكره، ويجب تكفيره،
 فكفروا لذلك صحابة النبي عليه السلام" القاضي عبد الجبار. شرح الأصول الخمسة. (761)

طارق يعقوب شهيدًا

أصيب طارق يعقوب _المهندس الميكانيكي_ بطلق ناري يوم فض اعتصام رابعة في 14 أغسطس 2013 ممّا أدّى إلى إصابته بشلل نصفي. هنا  
لا أستطيع تصور كيف كان طارق يعالج مدة تسعة أشهر ولا يعلم أحد عنه شيئًا إلا أصدقاؤه المقربين وذويه. لقد تذكره هؤلاء الأصدقاء الذين لا نعلمهم هنا  لم أعرف طارق، في الواقع أو في كتاب الوجه، ولكني عرفت صفحته بعد استشهاده هنا

أصيب طارق بتسمم ونقل إلى المستشفي، ثم اختاره الله شهيدًا أمس 10 مايو 2014.


الاثنين، مايو 05، 2014

الإخوان المسلمون ومنجز الديمقراطية الضائع

في تصوري فإن أحد المنجزات المعتبرة للديمقراطية في زمننا هذا هو تأمين وتقنين وتشريع طريقة "سلمية" لا سفك فيها للدماء يسلكها مجموعة المتنافسين والراغبين في حكم الناس. وهذا المنجز هو ثمرة نضال قرون في أوروبا، كان آخرها القرن العشرين.  وقد استفادت أمم كثيرة معاصرة من هذه الثمرة.

لقد كلف المتهافتون على "السلطة" البشريةَ الكثير من الدماء في العصر الوسيط. فلم يكن سبيل الوصول إلى السلطة، و من ثمّ التحكم في الثروة متاحًا سوى لقساة القلوب الذي يقدرون على قتل أي منافس ولو كان ذا قربى. وكان ذلك النمط سائدًا عند جميع أمم العصر الوسيط، ومنهم أمة الإسلام. 

لقد منعتنا الصور النمطية الراسخة في الأذهان عن كبار الفاتحين أن نرى تاريخنا  كجزء من تاريخ العصر الوسيط، فتسري عليه أنماطه في السياسة والاقتصاد والحكم.  قامت الخلافة الأموية وتثبّت حكمها على أشلاء آل بيت الرسول، ثم دارت عليهم الأيام واستطاع العباسيون هدم خلافتهم لإقامة خلافة جديدة. ثم لم يهدأ المنصور حتى قتل من تبقى من البيت الأموي في مجرزة جماعية ليبيد منافسيه القدامى ويردع ويخضع منافسيه الجدد.  ثم جاءهم المغول فأبادوا من الناس أقواما ومن العمران مدنًا. ثم احتدم الصراع السني الشيعي، حتى أصبحت حوادث القتل الجماعي دواليك بين أصحاب المذهبين عبر القرون. ثم تغلبت الخلافة العثمانية حتى ضمت إليها أقوامًا وبلدانًا في أوروبا وفي حوض المتوسط بالقوة القاهرة وبترهيب السيف، فإمّا الخضوع وإمّا الفناء. وحين جاءت الفرصة لمحمد علي للاستقلال عن الإمبراطورية العثمانية، قام بذبح من كانوا يحكمون مصر قبله وهم المماليك في دفعة واحدة، وطارد من تبقى منهم؛ ثم أجبر عمر مكرم على الانعزال حتى لا يبقى له منافس. 

وبناء على هذا النمط، فإن المجازر التي ارتكبها السيسي في العام المنصرم  لإفناءالقوة المدنية المنافسة له على السلطة هي امتداد معاصر لهذا التقليد الدموي المستمر من العصور الوسطى الساعي للاستفراد بالسلطة.  إنه الابن الشرعي للمتغلبين بالقوة القاهرة، وبسفك الدماء. 

أمّا الإخوان المسلمون، فإن تجربتهم القصيرة في الوصول إلى السلطة في عام 2012 تمثل الانقطاع الحقيقي مع نمط انتقال السلطة الدموي المتجذر في تقاليد العصور الوسطى. ففي خلال ثمانين عامًا مرت على عمر هذه الجماعة لم تحاول أن تستهدف منافسيها على الحكم فتخطط لقتلهم مثلاً أو التخلص منهم. بل انتظرت في صبر تُحسد عليه فرصة تاريخية تأتيها لتخوض انتخابات سلمية تصعد بها إلى سدة الحكم. لقد مثلت هذه الجماعة _في الحقيقة_انقطاعًا حداثيّا مع دموية عصور ما قبل الحداثة التي يواصلها الجنرال السيسي. 

لقد أعطى الكارهون لهذه الجماعة والغاضبون منها في 30 يونيو 2013  الفرصةَ على طبق من ذهب لمالكي قوة السلاح والثروات للارتداد بنا مرة أخرى إلى النمط الدموي لانتقال السلطة، بعد أن نجح الإخوان المسلمون _بالصبر وحده_ في كسر هذا النمط. 

لقد أضعنا في الحقيقة المكتسبَ الوحيد لثورة يناير والذي تمثل في نظري في ترسيخ نمط سلمي للوصول إلى السلطة. وإنّ استرداد هذا المكتسب وحفظ الدماء من أن تسفك قربانًا للمتغلبين والطامحين هو واجب نضالنا ومناط تحررنا لو فقهنا.