السبت، مايو 11، 2013

خبرة مسلمة مع أسبوع الآلام


                                                                                                                                                                                                                                            
                حين تنشأ في بيئة كل من فيها ينتمون إلى ديانة واحدة، فإنّك لا تستطيع أن تتصور أناسًا آخرين يتعبدون إلى الله بدين مختلف، ولهم في الحياة رؤية مخالفة وفقًا لهذا الدين؛ هذا فضلاً عن أن تتصور كيف يمكن أن تعيش مع أولئك المختلفين، وتجد بينك وبينهم مشتركًا. الحياة في مجتمع ذي دين واحد تبدو سهلة وبسيطة وانسيابية وذات بعد واحد. هكذا كان تكويني النفسي حين نشأت في الإمارت العربية وقضيت فيها طفولتي وصباي. كلّ الناس من حولي مسلمون، دور العبادة هي المساجد، الكلّ يقرأ القرآن ويصلّي الصلوات الخمسة، ويصوم رمضان، كل النساء يرتدين غطاء للرأس في المدرسة سواء وافق ذلك إرادتهن أم لا. لا يوجد قومٌ آخرون يقرؤون كتابًا غير القرآن، لا توجد صلاة مختلفة، ولا يوجد صوم مختلف، لا يوجد أي تحديات من أي نوع على هذا الصعيد. لُقّنّا أنّ الإسلام حق وما عداه باطل، وأن المسلمون هم المؤمنون، ومن عداهم كافرون، ويترتب على هذا أنّنا فقط من نستحق دخول الجنّة ومصير الكافرين النّار.

لم تصمد كل الدروس التلقينية التي تلقيتها في البيت والمدرسة والمسجد والمجتمع أمام الرغبة في التعرف عن قرب على دين جماعة من أهل بلدي يوصفون بالأقلية، أقصد المسيحيين الأقباط. لا جديد سأجنيه إن حاولت التعرف على دين آخر من خلال مصادر ديني. سيأتي الجديد فقط حين أفتح عقلي وقلبي وأتعرف على دينهم من خلالهم، وأعايشهم أهم أسبوع في عامهم، إنّه أسبوع الآلام. لم أتصور كيف كنت بضيق الأفق هذا أن عشت في القاهرة مع المصريين المسيحيين خمسة عشر عامًا دون أن أعرف ما أسبوع الآلام ولمَ يحتفل به جماعة من أهل بلدي؟

تابعت قناة أغابي المسيحية كل يوم في أسبوع الآلام، وشاهدت كيف يصلون ويتعبدون، ويمارسون معتقدهم في صلب المسيح _عليه السلام_ ويعيدون سرد حادثة الصلب ويعيشون داخلها لحظة بلحظة. هذه المعايشة تتم من خلال قراءة ما حدث في كل يوم من أيام هذا الأسبوع في الكتاب المقدس، والاستماع لتأملات وتفسيرات الأساقفة والقسيسين لتتابع هذه السردية. كلّ الشعائر والصلوات تُقام  في الكنيسة وبرعاية رجال الدين. لاحظت وفهمت هذا المخزون التأملي الكبير  الذي استدعته حادثة الصلب، يفيض على المسيحيين معانٍ جليلة في أفهامهم ونظرتهم للكون وأخلاقهم وتعاملاتهم بل وتكوينهم النفسي. يتحدث رجال الدين المسيحي عن الفداء وتكفير الخطايا، يتحدثون عن الحب والمحبة، والحنان والترفق، عن الإيمان بالله والكفر بالشيطان ومقاومته وصدّه، يتحدثون عن الابتلاءات وتكفير  الذنوب والمعاصي، عن الاطّراح بين يدي الله، والتوبة. إنّها معانٍ جليلة أجد لها نظيرًا في ديني! يستلهمون إيمانهم بصلب المسيح لينشؤوا فنونا جميلة؛ رسمًا ونحتًا وتصويرًا وغناءً وعزفًا وموسيقى وترانيمَ وتمثيلاً. أدركت حينها كيف تتشابه بعض الظواهر بين الأديان على الرغم من اختلاف المصدر، وأدركت كذلك كيف يمكن أن تؤثر مفاهيمنا الدينية على حياتنا الاجتماعية، ومن ثمّ على تعايشنا المشترك.

إنّ التعايش في سلام يبدأ من فهم الآخر من حيث هو، لا من حيث أنا؛ من حيث يشرح نفسه بناء على مصادره لا من حيث أحكم عليه من خلال مصادري؛ يبدأ حين أتخلّى عن مسلماتي وأقترب منه ومن معتقداته بقلب وعقل مفتوح ونقي؛ يبدأ حين نكون على استعداد أن نعلم أطفالنا في المدارس ماذا يعني الدين إجمالاً؟ وماذا تعني المسيحية وماذا يعني الإسلام؟ كيف نصوم ويصومون؟ كيف نصلي ويصلون؟ كيف نؤمن ويؤمنون؟ هنا، يمكن أن نتوقف لنقول إنّ التعايش الحقيقي بين أهل الأديان لا يمكن أن يتم دون أن نعيد النظر في مقولتي الإيمان والكفر، كلّ دين بحسب مصادره المؤسّسة له؛ ثمّ في تجنيب هاتين المقولتين مجالَ السياسة والحرب تمامًا. 

الأربعاء، مايو 01، 2013

تأمل في الدين والواقعة المؤسِّسة


أتابع في هذا اﻷسبوع باهتمام بالغ مراسمَ اﻻحتفال بأسبوع اﻵﻻم عند المسيحيين، بغيةَ فهم المسيحية والمسيحيين أكثر. ما زلنا اليوم في أربعاء البصخة، وما زال المسيح/ اﻹله يتألم وفقًا للاعتقاد المسيحي ولمّا يمت بعد.

ﻻحظت أثناء متابعتي بعض القنوات القبطية أنّ الدين المسيحي كله ، والذي تطور وتشكل عبر اﻷزمان وتفرق إلى طوائف ومذاهب، مؤسَّسٌ على هذه الواقعة تحديدا، أعني واقعة صلب المسيح حسب اﻻعتقاد المسيحي. وهو ما تبدّى في قول البابا شنودة: “المسيحية هي الصليب والصليب هو المسيحية"، تذكرني هذه اللحظة/ الواقعة المؤسِّسَة بواقعة استشهاد الحسين في كربلاء، والتي تأسس عليها المذهب الشيعي كله. وعلى الرغم من تطور المذهب الشيعي وتعقده عبر الزمن وتفرقه إلى مذاهب إﻻّ أنّه ظلّ مبتدئًا ومؤسّسًا على هذه الواقعة. وعلى الرغم من وجود واقعة استشهاد الحسين في التاريخ السني كذلك، واﻻعتراف بها، إﻻ أنها لم تشكل لحظة مؤسّسة لتطور ديني بعدها. 

هنا تستوقفني هذه المقارنة، ﻷحاول البحث عن واقعة تأسيسية للإسلام إﻻّ أنّي لم أجد، فلا أستطيع أن أقول أنّ لحظة الوحي للنبي، أو لحظة الهجرة، أو لحظة موت النبي مثلاً تمثل لحظة فاصلة في الوعي التاريخي للمسلم، أو واقعة مؤسّسة لتطور ديني يبتدئ بناء عليها واستلهامًا منها. وهذا ما يجعل قابلية اﻹطلاق في اﻹسلام أعلى من قابلية النسبية والمحدودية. 

وكذا تستوقفني نقطة نظام مهمة فيما يتعلق بالحوار المسيحي اﻹسلامي، وهي أنّ أي محاولة للتقارب العقدي أو محاولة طرف لتصحيح عقائد طرف آخر هي محاولة محكومٌ عليها بالفشل ابتداء، وغير ذات فعالية في الحوار.   يخبرنا القرآن أن المسيح لم يُصلب، بل رُفع ، "وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبِّه لهم" إنّ مجرد تصور هذه اﻵية الكريمة سيعني هدم البناء المسيحي كله على رأس معتقديه. البناء الذي يشمل اعتقاداتهم، ونظرتهم للكون، وتكوين نفوسهم ، ونظرتهم إلى الحياة اﻵخرة، فضلا عن مؤسساتهم من كنائس وأديرة وما يستتبعها. أفيُعقل أن نتحاور فيما هو مؤسّسٌ لدين!! إنّ محاولة الحوار في عقيدة صلب المسيح، إن تجاوزت مرحلة الشرح والتفسير إلى مرحلة محاولة اﻹقناع، ستؤدي حتمًا إلى أن يكفِّر بعضنا بعضًا، فكيان المسيحية كله مؤسَّسٌ على هذه الواقعة، والقرآن يخبرنا في بساطة أنّ المسيح لم يُصلب. إذًا، فلنترك العقائد جانبًا ولنا في الحوار اﻷخلاقي والفكري متّسع.

و لا يفوتني هنا مباركة عيد الفصح لجميع المسيحيين، والذي استدعى لي هذا التأمل!