الخميس، نوفمبر 08، 2012

ندوة سوريا الطريق إلى الأمام: تأملات شخصية



مركز بروكينجز_ واشنطن العاصمة ومركز بروكينجز الدوحة

حضرت لتوي ندوة أقامها مركز بروكينجز في واشنطن العاصمة و مركز بروكينجز الدوحة، ناقش فيها (مايكل دوران) الزميل في مركز سابان لدراسة سياسات الشرق الأوسط، ورقة السياسات التي قدمها (سلمان شيخ) مدير بروكينجز الدوحة. ذهبت إلى الندوة وكلي حماس أن أفهم شيئا عمّا يحصل في سوريا، وكلي أمل كذلك أن أشعر ببريق أمل أو تنبؤات متفائلة من هؤلاء الباحثين المتخصصين!

سلمان شيخ كان متحمسا جدا للحل السياسي الذي عرضه في ورقته التي تبدو متفائلة. إنّه يقفز قفزة رشيقة فوق الحالة الراهنة التي يسودها القتل والقتال المستمر الذي يعيشه السوريون كل يوم، ليرى في المستقبل إمكانية المبادرة لجمع الفرقاء السوريين ليجلسوا على طاولة واحدة ليتفاوضوا ويتناقشوا لبناء رؤية لمستقبل سوريا! هذه الطاولة تجمع: قبائل، علويون، أكراد، عائلات عريقة، نخبة اقتصادية، سنة، شيعة، مسيحيون.

كل هؤلاء _ حسب ورقة سياسات سلمان_ يجب أن يجلسوا على طاولة واحدة للتفاوض والنقاش! وكأنّ شيئًا لم يكن! في قدرة ملائكية عالية للتسامح والتفاؤل وتجاوز الذات الطائفية! لم تخبرنا ورقة سياسات سلمان إن كان أحد من هؤلاء النخبة السورية لم تتلوث يداه بدم بريء؟ ولم يخبرنا كذلك إن كان أحد من هؤلاء النخبة لا ثأر لديه عند أحد آخر ممن يجلس على الطاولة! المهم، عليهم أن يتفاوضوا ويتناقشوا لبناء هذه الرؤية المستقبلية.

توصي الورقة كذلك بضرورة توحيد الجيوش الحرة السورية في جيش واحد، وكذلك توحيد المعارضات السورية المفتتة في معارضة واحدة! هكذا توصي الورقة، دون نظر لذلك التاريخ الطويل من القمع والدم والدفع للهجرة وترك الوطن! على الفرقاء النقاش والحوار والتفاوض، وعلى المجتمع الدولي أن يساعدهم في ذلك!

ترى الورقة كذلك أن السياسة الأمريكية تجاه سوريا يمكن تلخيصها في أنه لا يوجد سياسة خارجية أساسا تجاه سوريا! ولكن حان الوقت لتتدخل الولايات المتحدة وتفعل شيئا، وتتخذ قرارات صعبة وقوية!

الآن جاء وقت مايكل دوران ليتحدث. مايكل ليس متفائلا على الإطلاق، بل يصرّح بتشاؤمه تجاه مستقبل سوريا! إنه يفند الحل السياسي تفنيدًا تامًّا بل ويتهكم عليه، فكيف نتصور أنه لا يوجد من لوث يديه بالدماء ليجلس ويتفاوض! إنّ اعتراف النظام السوري بضرورة الإصلاح يعني إنهاء هذا النظام لنفسه، وهو ما لن يحدث. كما إن الطائفة العلوية طائفة قوية، والمبادرات لتوحيد المعارضة لن يكتب لها النجاح على الأغلب لأن جهود النظام مستمرة في قتل السوريين، وتفتيت المعارضة! أمّا الأكراد فقد تحالفوا مع الأسد الذي يستخدمهم لغرض تفتيت المعارضة. ولم يفته كذلك التهكم على السيمنارات التي تقيمها أمريكا في استانبول لتعليم السوريين الديمقراطية والمشاركة السياسية.

لا يرى مايكل أملاً في الحل السياسي على الإطلاق! بل يرى الحل لإنهاء الأزمة هو الحل العسكري؛ تسليح المعارضة وتدخل الولايات المتحدة للقيام بدور قيادي عن طريق أصدقاءها في الإقليم (السعودية، قطر، تركيا)  فلمَ لاتتدخل الولايات المتحدة؟  يرى مايكل دوران أنّ سوريا مهمة بالنسبة للولايات المتحدة، ولكنّها ليس مهمة بالدرجة الكافية لتصبح خيارًا استراتيجيًّا، ولذا فهي لا تعبأ كثيرًا بالتدخل، بل يمكن قراءة مؤشرات مبادرات إيجابية تجاه روسيا من قِبل الرئيس أوباما! تدخل الولايات المتحدة في سوريا سيزعج روسيا، وهو مالن تفعله الولايات المتحدة. مايكل دوران يفسر لنا لمَ لا تتدخل الولايات المتحدة؟ وعلى الرغم من ذلك يرى ضرورة تدخلها، ولذا فهو يقدم لها المسوغ والدافع لتتدخل. إنّ هذا الدافع هو (إيران)... مساعدة السوريين لإنهاء حكم أكبر حليف لإيران سيوقع ألما شديدا بها، وهو ما يجب أن تفعله الولايات المتحدة باعتبار إيران وبرنامجها النووي خطرا استراتيجيًّا على الولايات المتحدة؛ ولذا على السياسة الخارجية الأمريكية أن تعيد النظر إلى سوريا في إطار مدخل استراتيجي جديد وهو العلاقة مع إيران وخطر برنامجها النووي، لتكتسب سوريا بذلك أهمية استراتيجية. ولكن تسليح المعارضة والدفع إلى قيام حرب، سيؤدي إلى حرب بين سوريا وتركيا... لم يقدم مايكل دوران تفسيرا كافيا لأسباب قيام هذه الحرب، كما لم يقدم تفصيلا كافيا لهذا الحل العسكري. ولكنه أكد على أهمية أن تقوم الولايات المتحدة بدور قيادي، وتقود أصدقاءها في المنطقة للعب أدورا لحل هذا النزاع.

ملحوظة أساسية: لم يأت ذكر (مصر) للعب دور في النزاع، كما لم يأت ذكر إسرائيل كذلك، وبقي المجال الجغرافي للصراع الدائر في سوريا: روسيا، إيران، الخليج العربي، تركيا.  


سلمان شيخ 

مايكل دوران 

هكذا نجلس نحن في غرف مكيفة مريحة لنتناقش نقاشا أكاديميا باردًا في أحوال ومستقبل من يجلسون تحت القصف، ومن يرجون طريقة أكرم للموت من حدّ السكين، و من يلتحفون برد الشتاء الثاني لهم في مخيماتهم على الحدود، ومن تركوا بيوتهم وذكرياتهم خلفهم وينتظرون العودة إليها في كل لحظة... هكذا نطلب ببرود أن يسامح أخو المقتول القاتل، وأن ينسى الأخ شرف أخته، وأن تصفح البنت عمّن اعتدى وأسرف في الاعتداء، وأن يحمل الأب نعش ابنه، والابن نعش أمه، حيث المثوى الأخير، ثمّ ليجلسوا على طاولة تفاوض ليبنوا شيئا ما، اسمه الوطن، هو أهمّ من حيواتهم وحيوات فلذات أكبادهم، الوطن الذي احتكره فرد واحد، ولم يدخل بعد في حيازتهم !