الجمعة، يناير 20، 2012

صورة


كتب في 8 سبتمبر 2003


كانت صغيرة وجميلة ووادعة... ووحيدة...

لم تكن تحب اللعب ككل الأطفال... وكانت تحمل همًّا ليس ككل الأطفال...

كانت تخاف المستقبل وتشعر بفقدان الأمان...

تشاهد شجار الأطفال وتضحك...وتتألم لشجار الكبار وتحزن...

الأطفال هنا يتشاجرون حول لعبة... والكبار هناك يتشاجرون حول أشياء تشبه اللعبة ...

 كانت تعيش بين هؤلاء الكبار بسلامة صدر... بينما تتأرجح نفسها بين الألم والأمل...

هي ليست ككل الأطفال...إنّها لا تعيش لعبهم ولهوهم وشجارهم...

عندما كانت في التاسعة... كانت تتابع ثورة أطفال الحجارة في فلسطين...

كانوا أطفالاً في مثل عمرها...وكانت تتمنى لو كانت واحدة من هؤلاء الأطفال تشاركهم ثورتهم ودفاعهم عن أرضهم...

كانت تغبطهم كثيرًا...لأنهم يعيشون خوفًا بإمكانهم أن يشقوا جداره ... إنّ بإمكانهم أن يقذفوا الحجارة...

كانت هنا تعيش مثلهم في خوف... ولكن لا يمكنها مثلهم أن تشق جدار الخوف...

 وكبرت الطفلة... كانت طموحة ولكن في خجل وانكسار... كانت موهوبة ولكن تفتقد الثقة...

إنّها تعيش وحدها مع من تحب في خيالها...

تبحث عمّا سلبه منها الكبار... هناك في عالم أحلامها وخيالها...

لم تكن تدري أنّها تنسج صورة في خيالها بروي وتؤدة...

ومع مرور الأيام... عند كل حادثة في حياتها كانت تضيف خيطًا في نسيج الصورة...

أيام الطفولة... أيام الصبا... واليوم أيام الشباب...لم تكن تدري أنها تنتظره كل هذا الوقت...
لكنها أدركت اليوم بعد أن غدت شابّة...

لم تكن تدري أنّ خيوط صورته قد بدأت تتشكّل مذ كانت طفلة ...

 كان خيالها ينسج خيوطًا في كل مرحلة...

وعند كل حادثة وكل موقف تتداخل الخيوط القديمة، وترِد خيوط جديدة...
 ألوان حمراء...زرقاء...خضراء...

وعند كل مفترق طرق تزداد الخيوط تلاحمًا وتشابكًا...

لم تكن الصورة قد اكتملت في الطفولة والصبا... لذا فلم تتعرف على شقها الآخر الذي بدأ يتكون داخل نفسها وعالمها الجواني سنينًا وسنينًا...

وحين بدا أنّ الصورة قد اكتملت... أحسّت فجاة أنّها شق غير مكتمل... أنّ لها شريكًا تبحث عنه لتلقاه... لتكتمل نفسها وتسكن...


الجمعة، يناير 13، 2012

نبذة عن فرجينيا وولف

كتب في 31 مايو 2003

Virginia Woolf
(1882_1941)
ولدت فرجينيا وولف في يناير 1882.
نشأت في أسرة تعشق الفنون والفكر والثقافة، وقد حصل والدها السير ليزلي ستيفن على الدكتوراه الفخرية من جامعة أكسفورد في الآداب؛ لمجهوده الضخم في تحرير كتاب (معجم السير القومية) في ثلاثة وستين مجلدًا.
تعلمت فرجينيا اللاتينية واليونانيّة في كليّة الملك لندن، وعلى أيدي المدرسين الخصوصيين؛ ولكن على فترات متقطعة بسبب حالات الانهيار التي عانت منها منذ مراهقتها المبكرة.
اندرجت فرجينيا في نشاط حركة التصويت للمرأة في عام 1910 م، وبدأت منذ ذلك الوقت في نشر مقالاتها في صحيفة الجارديان اللندنية.



تزوجت فرجينيا من ليونارد وولف، واتسمت حياتهما معًا بالنشاط الأدبي والثقافي والاجتماعي، وكانت حياتهما صاخبة بالمؤتمرات والتعاونيّات النسويّة واجتماعات الجمعية الفابيّة.
        كان زوجها يرعاها ويستوعبها أثناء فترات انهيارها، ولم يرد لها أن تنجب حرصًا على صحتها، وكان يكتب لها سجلاًّ يوميًّا بحالتها الصحيّة. ولكنّ حبّه هذا لم يمنع انهيار فرجينيا، وانتحارها.
في يوم 28/3/1928 م كتبت فرجينيا وولف لزوجها:"يا أعزّ النّاس، أنا واثقة أنّني سأجنّ مرّة أخرى، وأشعر أنّنا لا نستطيع أن نعاني مجددًا شيئًا من تلك الأوقات الفظيعة، لن أشفى هذه المرة، بدأت أسمع الأصوات، ولا أستطيع التركيز. لقد منحتني أعظم سعادة، وكنت دائمًا الشخص الأمثل من جميع الجوانب. لا أستطيع المقاومة بعد الآن، أنا أعرف أنّني أفسد عليك حياتك، ولكنّي أعرف أنّك ستستطيع العمل بدوني. لقد زايلني كلّ شيء إلاّ الثقة بطيبتك، لا أستطيع الاستمرار في إفساد حياتك بعد الآن"        
انتحرت فرجينيا وهي في التاسعة والخمسين. كانت النوبات التي تعتريها تتسم بعدم القدرة على النّوم، والأكل والتركيز، وفقدان الثقة التامّ في النّفس. "لقد فقدت كلّ قدرتي على صياغة الكلمات، لا أستطيع أن أفعل أيّ شيء بالكلمات"
من كتاباتها: مسز دالاوي، وأبو الفنار، والأمواج، وغرفة يعقوب. وما زال النقاد، وطلاب الأدب يعتبرون رواياتها ومقالاتها منجمًا يمارسون فيه حذقهم، وذكاءهم، وقوة حجتهم، إلى جانب هواية بعضهم في التحليل النّفسي.


الأربعاء، يناير 11، 2012

الساعات والكيميائي

كتب في 17 مايو 2003

يمكن إجراء مقارنة بين فيلم (الساعات) ورواية (الكيميائي) لباولو كويللو؛ حيث يحمل كلٌّ منهما فكرة فلسفية. فإذا كان الساعات يعالج مشكلة الوجود من منظور الإرادة والسعادة؛ فإنّ الكيميائي يعالجها من منظور القدر، ويعالج كلٌّ منهما فكرة (الاختيار). وإن كانت نهاية الساعات تراجيدية؛ فذلك لأنّه يبحث عن المعنى وسط ركام المادّة. أمّا نهاية الكيميائي فسعيدة ومتفائلة؛ لأنّه أدخل عنصر الدين في معالجته، وإن بدا كامنًا ومتخفيًّا، وربما كان هذا راجعًا لتوجه باولو كويللو الديني، وانتمائه لجماعة من اليسوعيين.

الأحد، يناير 08، 2012

المعنى وسط ركام المادّة: تحليل لفيلم الساعات

كتب في 15 مايو 2003

يصور الفيلم حياة  ثلاث سيدات في أزمنة متتالية تدور حياتهن حول معنى واحد. البطلة الأولى هي الروائية فرجينيا وولف. تعيش فرجينيا في بداية القرن 1923، وتكتب عملا أدبيًّا خالدًا، تودعه كل أسرار خيالها الحالم، وعالمها الجواني. وكانت فرجينيا _على الرغم من موهبتها الأدبية العالية_ حزينة  تعيسة، فضلّت الموت على الحياة، وقضت على حياتها بالانتحار، كان ذلك في العام 1941. والبطلة الثانية هي (لورا براون) عاشت في الخمسينيات من القرن الحالي. ويصور الفيلم جزءًا من شريط حياتها في 1951 م، وهي سيدة بسيطة _هكذا تبدو_ تعيش حياة هادئة مع أسرتها الصغيرة المكونة من زوج وابن، وتنتظر مولودها القادم بعد عدة أشهر. وعلى الرغم من بساطتها في الظاهر، فإنّ نفسها عميقة ومختلفة...ويبدو أنّ رواية فرجينيا كانت على درجة من العظمة أن كانت سببًا مباشرًا وراء الانقلاب الذي حدث في حياة (لورا). وتأتي البطلة الثالثة (كلاريسا فاجان) عام 2001 م لتقدم لنا نموذجًا ثالثًا، يبحث هو الآخر عن المعنى والسعادة، ولا تجده سوى في العطاء والمساندة، وتقف بجانب الكاتب العظيم (ريتشارد لينجز) لينجز أعماله الخالدة، ثم يفقد القدرة على الحياة والمقاومة، ويموت منتحرًا. 
ويتراءى لي أنّ الفكرة الجوهرية للفيلم هي ((((الاختيار والإرادة، وما يرتبط بها من أسئلة القدر والوجود النهائية في الحياة. و(الاختيار والإرادة) هي قيمة وفطرة منحها الله للإنسان، وحمّله أمانة الاستخلاف على أساسها. وبدون الاختيار لا يكون الإنسان مسؤولاً، وبالتالي لا يكون محاسبًا، ولاجزاء حينها. وهي قيمة عليا يشترك فيها بنو البشر جميعًا على اختلاف مراتبهم، ودرجاتهم في الحياة، وعلى اختلاف مستوى ذكائهم وإدراكهم. وفكرة (الإرادة) بهذا المعنى مرتبطة بفكرة السعادة في وجدان الإنسان، ومرتبطة _في ذات الوقت_ بمعنى القدر والوجود. وتبدو المعاني الثلاثة كحلقات متصلة، ومترابطة في سلسلة واحدة، وتتمثل في تفاصيل الفيلم بقوة ووضوح، ناهيك عن نهايته.

ويصور الفيلم حياة البطلة الأولى (فرجينيا) التي كانت ترتسم على ملامحها الجميلة الوادعة، لمسة من الحزن. ولا يخطئ الناظر إليها من أول مرة تعاستها وحزنها الداخلي. وتعيش فرجينيا في قرية هادئة، وبيت جميل، في ظل زوج حنون، وهي على موهبة روائية عالية. وكل هذه مؤهلات ترشح فرجينيا _بجدارة_ للسعادة؛ ولكنها على النقيض، تشعر بتعاسة وكآبة، وفقدان للمعنى. وكانت تتمنى أن (تختار حياة غير حياتها هذه التي فرضها عليها أطباؤها النفسيّون الذين فرضوا عليها نظامًا حياتيًّا يكفل لها (الطمأنينة) كما يرون. واستجاب زوجها المتفاني في سبيلها لهذا المطلب، وهاجر بها لقرية هادئة، وصنع لها جوًّا هادئًا للقراءة والكتابة، وألحق بالبيت مطبعة لتكون تحت خدمتها؛ ولكنّ فرجينيا لم تكن تريد كلّ هذا. لقد كانت تريد أن (تختار) بنفسها، وتعود للحياة في مدينة لندن الصاخبة المتعبة. ولا يستجيب زوجها لهذا المطلب خوفًا عليها، فتختار الهروب من عالمها الواقعي إلى عالمها الخيالي، وهناك تعيش مع أبطال روايتها (وتختار) حياتهم ومصائرهم بنفسها. ويبدو أنّ زوج فرجينيا العطوف لم يكن قادرًا على إسعادها كزوجة، فتلجأ لإشباع لذتها الحسية مع أختها التي تزورها مع أولادهاكل فترة. وفي إحدى زياراتها، وبينما كان الأولاد يلعبون أصاب أحدهم عصفورةً فقتلها، ويمر الموقف مرورًا عابرًا على أختها وعلى الأطفال... لا أثر له؛ ولكنّ الموقف يستوقف فرجينيا _الأديبة الحالمة_ وتنظر إلى عيني العصفور، وتغرق في تأملها. وهنا جالت في خاطرها فكرة غيّرت مجرى حياتها... فكما أنّ هناك (حياة) فهناك (موت) ولا معنى للحياة دون سعادة، ولا قيمة لها دون اختيار. وهنا يمكن لها أن تختار بين الموت والحياة، وتختار فرجينيا الموت على الحياة، وتغرق فرجينيا في البحيرة بإرادتها، وتموت؛ ولكن يبقى عالمها الداخلي المحفوف بالأسرار محفوظًا بين سطور روايتها الخالدة.

وتأتي البطلة الثانية (والدة ريتشارد) لتصور لنا حياة أكثر بساطة، فهي تعيش مع أسرتها الصغيرة الهادئة، وزوجها العطوف الذي يحبها بكل إخلاص وأمانة، ويهتم براحتها، ويقصّ على ابنه قصة إعجابه، وزواجه من أمّه، وكيف جذبته بحيائها ورقتها. وتبتسم (لورا) لابنها وزوجها ابتسامة هادئة، ولكنها حزينة. وعلى الرغم أنّ (لورا) تبدو بسيطة إلاّ أنّها مختلفة جدًّا في أعماقها، فهي لا تشعر بالسعادة على الرغم من كلّ ما يؤهلها لها. ولم يكن زوج (لورا) يعلم أنّ زوجته ليست سعيدة معه، ما اضطّر (لورا) أن تخفي حزنها وتعاستها في أعماقها، وتلجأ لطلب اللذة مع صديقتها. وكان يومًا فارقًا في حياة (لورا) عندما جاءتها صديقتها تزورها على غير موعد، وتفاجئها بالخبر السيء أنّها ستُجري جراحة استئصال لورم في رحمها، وتبدو صديقتها متماسكة، ويقضيان آخر لذة لهما، ويودّعان بعضهما. وهنا أحسّت (لورا أنّها فقدت الإحساس البسيط الذي كان يلهيها عن تعاستها الداخلية. وهنا يبرز الفيلم فكرة الاختيار بين الموت والحياة. وفي لحظة فارقة كذلك، تدرك (لورا) أنّ إرادتها ليست ملكها تمامًا. بل يشاركها فيها إنسان آخر، هو جنينها الذي تحمله في أحشائها، وليس لها الحق أن تفرض عليه اختيارها. وتختار (لورا) الحياة، وتضع جنينها؛ ثمّ تقرر الهجرة إلى كندا، وتعمل هناك أمينة مكتبة، وتخلّف وراءها طفلين جميلين، وزوجًا هادئًا عاجله الموت بالسرطان. وربما تبدو (لورا) هادئة، وحيية، ووديعة كما وصفها زوجها، ولكنّه لم يدرك أنّ نفسها مختلفة جدًّا. إنّها لا تهوى الحياة التقليدية الرتيبة ولم تسعد بها. لقد قرأت رواية فرجينيا، وتأثّرت بأبطالها وبشخصية الروائية نفسها. وأرادت (لورا) أن تحلق بعيدًا في حياة مختلفة في آفاق المعرفة، والاطّلاع، واتّساع الإدراك، فاختارت أن تكون (أمينة مكتبة). وأرى هنا أنّ اختيار (لورا) كان بين الواجب والحرية، فاختارت الحرية، وتخلّت عن واجباتها الإنسانيّة كأم وزوجة، وهي تبدو لذلك غير مسؤولة، ولكنّها مغامرة.
كبُر (ريتشارد) دون سند الأمومة، وكان حدث تخلّي والدته عنه كفيلاً أن يطبع في نفسه، وينقش في ذاكرته، ولاوعيه آثارًا نفسية عميقة. وربما ورث (ريتشارد) عن أمّه موهبتها الدفينة. كان يحب المعرفة، ويريد أن يكتب ويكتب ويكتب ... يكتب عن كلّ شيء في الحياة، هكذا كان يقول لصديقته المخلصة ((())كلاريسا، الشخصيّة النسائيّة الثالثة في الرواية.


وتمثّل (كلاريسا) الشخصيّة المعطاءة المضحيّة، التي لا ترى سعادتها سوى في مساندة وإسعاد من تحبّهم. ظلّت سنوات وسنوات وسنوات ترعى ريتشارد، وتحبه وتفهمه كما لم يفهمه أحد، وتسانده حتّى ينجز عملاً أدبيًّا عميقًا. وتبدو لي ملامح (كلاريسا) غير تعيسة، ولكنّها غير سعيدة كذلك، وهي تبتسم للحياة ولابنتها ولريتشارد على الرغم من تعاستها الداخلية. هذا على عكس ملامح فرجينيا التي تبدو حزينة دائمًا، وغارقة في عالمها الداخلي، وسابحة في عالمها الخيالي؛ وعلى عكس (لورا) التي تبدو ملامحها طموحة وواقعيّة، ومغامرة، ولو على حساب الواجب.
وبعد تحليل الشخصيّات، نلقي الضوء على ظاهرة تكرّرت كثيرًا في الفيلم، وهي ظاهرة (الانتحار) والسعي وراء الموت. بدا ذلك في مصير (فرجينيا) ومصير (ريتشارد)، وكادت لورا أن تقدم عليه. والموت، ولو كان انتحارًا، يعكس فطرة الإنسان التي تصدق أنّ هناك عالما آخر بعد الموت، يمكن أن يجد فيه الإنسان السعادة التي عجز عن العثور عليها في الدنيا.
وثمّة ظاهرة أخرى تكرّرت، هي ظاهرة (الشذوذ الجنسي) ولاغرابة أن تمارسها كلٌّ من فرجينيا، ولورا فقط، حيث تبحث كلتيهما عن السعادة الذاتيّة، ولو على حساب الآخرين. هذا على عكس شخصيّة (كلاريسا) المعطاءة المضحيّة، التي يمنحها عطاؤها معاني جديدة وعميقة في الحياة، تمنعها من التفكير في الموت والانتحار، كحل لمشكلتها في التعاسة. أمّا الأخريان، فتعجزان عن التواصل والعطاء مع كلّ من حولهما، فتلجآن لطلب السعادة المعنويّة بتعويض مادّي حسّي، وهو طلب اللذة الحسيّة، ولكن، أنّى للمادة أن تحلّ محلّ الروح !!!
ويمكن تصنيف الفيلم على أنّه (فلسفي) من الدرجة الأولى، يصوّر رحلة الإنسان الخالدة في بحثه عن إجابات الأسئلة الكليّة النهائية، ومعنى وجوده. من أين أتيت ؟ ولماذا أنا هنا؟ وهل هناك عالم آخر وراء الموت؟ وما تعني السعادة ؟ وأين أجدها؟ وربما يكون مدعاة للتفاؤل أن يولد هذا الفيلم الفلسفي _الذي يُعنى بالمعنى والقيمة_ من رحم السينما الأمريكية، ونموذجها المعرفي المادّي !!!

سطور من قصة لن تكتب

كتب في 5 فبراير 2003


في ليلة من ليالي الشتاء قارسة البرد... وضوء القمر يتوارى مستقرًّا خلف الغيوم الملآنة... وحبيبات البَرد تهطل بسكون...
وقفت على طرف الرصيف تنتظر...
كانت ترتدي معطفًا أسود أنيقًا... ومنديلاً أبيض ذو زهر، تلفه حول وجهها الأسمر ...
ملامحها توحي بذلك النوع الهادئ من الجمال... الذي لا تدركه إلاّ إذا أدركت روح صاحبه...
ارتسمت على شفتيها ابتسامة حزينة... بينما لمعت العينين ببريق خاطف، تلمحه للوهلة الأولى ...فإذا نظرت إليها غصت في بحر عميق...وحرتَ بم تنطق هاتين العينين... وأيَّ لغة تتكلم...
كانت تقف في سكون بلا حركة...وقد أطرقت برأسها إلى الأرض... وضمّت ذرايعها ..وأسندت كل كفٍّ على الذراع الأخرى...

الجمعة، يناير 06، 2012

الهجرة ومراجعة النفس

كتب في 3 أغسطس 2003


في شهر رمضان السابق، انتويت أن أراجع تطور عام من عمري، من رمضان إلى رمضان الذي يسبقه. أراجع فيها نجاحاتي وإخفاقاتي، ومشكلاتي وأهدافي، وهل أسير في طريقها أم تنحرف بي السبل كثيرًا أو قليلاً. وتاهت هذه الفكرة في زحام الحياة على الرغم من أهميتها، وربما لم تته كما أتخيل، ولكنّه بالأحرى هروب من مواجهة النفس، والوقوف منها وقفة صادقة، ومكاشفتها مكاشفة صريحة، ربما كان هذا هو السبب الكامن، وبدا لي ظاهريًّا انّ زحام الحياة هو ما جعل عملية المراجعة تضل طريقها إلى جدول أعمالي... ثم هلّ عليّ عيد الأضحى، فعادت لي فكرة مراجعة النفس الدورية على أن أربطها هذه المرة بعيد الأضحى. 
وتاه عن بالي حدث عظيم وفارقة كبيرة في تاريخ البشرية، وهو حدث (الهجرة) وعجبت من نفسي، كيف غاب عن عقلي أنّ هذا الحدث هو الأنسب لتطبيق فكرة المراجعة الذاتية. ففكرة المراجعة الذاتية مرتبطة بفكرة التغيير، وهجر معايب النفس، ومعايب الفعل، ومعايب التفكير، وحمل النفس على الأفضل والأحسن. بل إنّ الهجرة لتحمل معنى الثورة على الواقع، وحل المشكلات جذريًّا، حتّى لو تكلّف الأمر استئصال النفس من موطنها... وهذا لم يفعله رسول الله بصورة انفعالية، وإنّما فكّر ودبّر وخطّط، ثمّ ثار على بصيرة، وهاجر... تُرى هل أستطيع أن أفكر وأخطط وأدبر، ثمّ أثور ثورة عقلانية؟! 

يوم كنّا

كتب في 2 إبريل 2003



أتذكر يوم كنّا نفسًا واحدة...
وشُقت النفس شطرين ...
ومضى كل شطر في عالم الغيب...في عالم الذر... يوم أن أخذ الله عليه العهد إلى أن حان يوم ميلاده...فولد شطرا ناقصًا...تبدو حوافه غير متساوية...تبرز فيها نتوءات وتغور فيها حفر...
فكل نتوء يتوق غمده...كل حفرة تتوق لنتوءها...

الخميس، يناير 05، 2012

البحر


كتب في 24 يناير 2003




يوم أن رأيتك تملكتني الرهبة، وغمرتني الخشية، وكساني الجلال...
اقتربت من شاطئك، وتراجعت خطوات... سمعتك تخاطبني: لا يلج إلى رحابي سوى الحالمون، فوثقت من خطواتي، وتقدمت... ثم افترشت رمالك الذهبية، وجلست في رحابك، وأنصتت أذناي لهدير موجك...أحسست فيك كل المعاني المتناقضة:
رحيم وقاسي...
مقدام متراجع...
عظيم ورقيق...عظيم في رقة، ورقيق في عظمة...

تعلو أمواجك وتتقدم وتزحف... وأنا أقف على شاطئك، فتغمر مياهك قدماي العاريتان، وتبلل ردائي الأسود...تشعرني بالرهبة منك، ويتملكني الإحساس بالخوف برهة؛ ولكن الموجة العظيمة العالية تهبط وتتراجع في رقة وعذوبة، وتنسحب بعيدًا عن ناظريّ، وتتركني وقد أمنت لها، وأمنت لك... أتراك تؤمنني أبدًا يا بحر؟...

لا يا صغيرتي ! إنّني البحر العظيم ... بين الرحمة والعذاب أقع... أمواجي هادئة لذوي القلوب الساكنة... توصلهم لبر الأمان... وأبتلع من أشاء في أحشائي فلا يرى النور أبدا...

الأربعاء، يناير 04، 2012

نزعات ثلاثة

كتب في 30 سبتمبر 200204
تتنازع كل إنسان سوي ثلاث نزعات طبيعية فطرية، هي نزعة الروح ونزعة الجسد ونزعة العقل. ويحتاج الإنسان إلى إشباع هذه الحاجات الثلاثة الأساسية، وبقدر ما يستطيع الإنسان تلبية هذه الحاجات، والموازنة والتوفيق بينها بقدر ما يصل إلى إلى حالة من الهدوء والاستقرار والرضا والسعادة ومن ثَمّ القدرة على العطاء في الحياة.
أمّا أفضل طريق لإشباع هذه الحاجات فهو أن تسير كخطوط متوازية، يتقدم أحدها على الآخر، حسب الموسم والوقت الذي يتطلب نزعة معينة، وكذا حسب المرحلة العمرية التي يمر بها الإنسان. 

الثلاثاء، يناير 03، 2012

توأم الروح

كتب في 13 مايو 2002


قبل الغروب بوقت قليل... بدت الشمس كنصف قرص يغرب على استحياء...
ولم يبق من نورها سوى خيوط من عسجد ... أرسلتها تداعب أمواج البحر الهادئة...
لترسم على صفحة الماء أجمل صورة فنية...
هناك على شاطئ البحر جلست القرفصاء... 
أتأمل البحر وأودع الشمس...
وأداعب بيدي رمال الشاطئ... 
وأتلطف نسمات الهواء العليلة... وأغازل الطيور المحلقة في السماء ...
وأطرب لسماع أصوات طيور النورس...
وتكاد تكتمل الصورة الرومانسية الرائعة...
إلا من عنصر واحد، غاب عنها وأورثها وحشة وحزنًا دفينًا، ودموعًا هادئة، ونفسًا منتظرة...
تترقب مرآه وتحن للقياه...
وتحسه سيأتي قريبًا... نعم سيأتي لن يتركني أكثر من ذلك...
أليس كذلك يا فارسي النبيل ؟!
أتراك تفعل أم أنك ستظل حلمًا واهمًا ؟!
وسرابًا يتراءى لي من بعيد ...
لا يجدي معه الجري واللهثان...
إن طالت فترة غيبتك يا فارسي...
فأذن لي أن أزيل ما بيني وبينك من حجب وموانع... 
وأتحدث إليك مشافهة...
عفوًا يا فارسي إن تجرأت... 
وطلبت منك الإذن بالدخول عليك...  
فإن القلب ملتاع والصدر جياش... 
وقد أسكنتك سويداء قلبي... 
فمن علي بمناجاتك ولو للحظات...  
كيف تبدو صورتك يا فارسي؟!
أراك شهمًا نبيلاً... بطلاً مغوارًا... كريمًا عطوفًا... 
تمتد يداك لتمسح على رؤوس المحرومين، فتملؤهم غبطة وحنانًا، وقوة وشموخًا... 
أتراني أكون من هؤلاء الذين ستتفضل عليهم، فتمنحهم هذه اللمسة العطوفة الحانية... 
عفوًا منك يا ملك فؤادي وحبيب قلبي.. .
إن تجرأت وتحدثت إليك بهذا الحديث، فإني قد سمعت عنك كثيرًا، وأصغيت لما يقال عنك ...
وأحببتك قبل أن أراك...
وأعجبت بشيمك وأخلاقك...
وشهامتك وبسالتك...
وعطفك وحلمك...
وأشعر بك تغمرني بحنانك، وتربت على كتفي حين يضيق بي صدري وتضيق بي الأرض بما رحبت...
أشعر بأنك تحس بي وتعرفني... على الرغم من أنك لا تعرفني...
ربما لأني من جملة هؤلاء المحرومين المأسورين الذين ينتظرون الخلاص بين يديك...
حبك بين أضلعي وجوانحي...
يتجول في مجالات قلبي وروحي  ...
ويتنفس مع أنفاسي الصاعدة والهابطة...
إنك معي يا توأم الروح فهل أكون معك يوما؟  
الطير الجريح.  


  النقد والتعليق: 
عماد مطاوع - سيناريست وقاص 
ربما لم تحتفِ الفنون العديدة بشيء يعدل احتفاءها بفارس أو بفتاة الأحلام؛ ذلك أن الفنون عمومًا كانت تلجأ إلى هذا الموضوع الشديد الالتصاق بالغالبية العظمى من البشر –لا سيما في مراحل عمرية معينة– وأيضًا لما يحملون همًا رومانتيكيًا (وأقول همًّا؛ لأن الرومانسية صارت تمثل عبئًا شديدًا لأنها تناطح السعار المادي للحياة العصرية الجامدة). 
وهناك الكثير من الأفلام والأعمال الدرامية التي تناولت مثل هذه الأفكار، وربما كان الشعر هو الوسيط الأقرب في التعبير عن هذا، إلا أننا نطالع أحيانًا بعض النصوص التي تتخذ من هذا الموضوع مادة لها. وفي هذا النص نجد أن بطلته فتاة حالمة، تجلس على شاطئ البحر في وقت المغيب تراقبه، وهنالك تعتمل الأشواق بداخلها وتستدعي فارسها الأثير وتناجيه في لوحة بديعة من الجمل المنتقاة التي تعبر عن نفس مرهقة تصبو للتواصل مع الآخر / الفارس، بكل دلالاته. 
في هذا النص تضع الكاتبة فارسها في مصافّ الأبطال الأسطوريين الذين تحفل بهم مثل هذه الكتابات على مرّ السنين، ونجدها تصفه بصفات عديدة، منها قولها: "أراك شهما نبيلا.. بطلا مغوارًا كريمًا عطوفًا تمتد يداك لتمسح على رؤوس المحرومين، فتملؤهم غبطة وحنانًا وقوة وشموخًا". 
وهي بهذه التشبيهات تُحيل فتاها إلى فارس من فرسان العصور الوسطى، أو إلى ملاك مخلص، ينتظره المحرومون وذوو الحاجات، ثم نجدها تتضاءل إلى جواره في تفانٍ شديد وذوبان داخل شخصيته المرجوة بالطبع، وفي أنثوية رقيقة تقول:
"أتراني أكون من هؤلاء الذين ستتفضل عليهم، فتمنحهم هذه اللمسة العطوفة الحانية. 
عفوًا منك يا ملك فؤادي وحبيب قلبي". 
وتواصل خلع صفات عديدة عليه، حتى نستشعر في نهاية هذا النص ألاّ حياة لها إلا بجانب فارسها هذا، وأنها لن تستطيع الحياة بعيدًا عنه، ورغم أنه غير موجود بالفعل، فإنها تعلن أنها ستظل مرتبطة به، وأنه سيظل مع أنفاسها إلى الأبد. 
وهذا النص استطاع التعبير -بقوة- عن بطلته ذات الروح المرهفة، لكنها قلقة في نفس الوقت، ومحملة بميراث شديد من الألم الإنساني، وعدم القدرة على التواصل مع ما هو محيط بها، ولهذا لجأت إلى استدعاء فارسها من غياهب اللاوعي، وجلست تناجيه، مستخدمة جملا وكلمات رقيقة عذبة عبّرت ببلاغة عما يعتمل داخل صدر فتاة حالمة مؤرقة بهمٍّ شعوريٍّ في مثل هذه الأيام التي أعلنت الحرب على كل ما هو روحي، وانتصرت للمادة، وصارت في ركابها. 
وهذا النص رغم كلاسيكية موضوعه فإنه سيظل حيًّا متماشيًا مع إيقاعنا اليومي بقدر ما سيوجد على الأرض من حالمين. 
لكن تقنية كتابة مثل هذه النصوص تستدعي ذكاءً شديدًا في طريقة التناول، حتى تضيء نقاطًا جديدة لم يتطرق إليها الكثيرون. وفي هذا النص مراوحة بين فن القصة بسرديته والرابط الحكائي فيه، وبين الشعر بسلاسة كلماته، وعذوبتها وإيجاد جرس موسيقي به. 
ومع ذلك فالنص -بالفعل- لم يتجاوز لنوع من الجنسين، وظل يمسك بخصيصةٍ من هذا أو من تلك، ليبقي نفسه في زاوية الخاطرة العميقة التناول التي تتكئ على محصّلة جيدة من مشاعر المتلقي للوهلة الأولى.. إذ إنها كتبت على نسق قصائد الشعر الحديث. إلا أننا مع بداية القراءة نكتشف حقيقية هذه التجربة بجلاء، وهي توضح امتلاك الكاتبة للحسّ الإبداعي بالفعل، إلا أنها تحتاج إلى الكثير من المثابرة والقراءة للوقوف على طبيعة الإبداع وحقيقة ما يُكتب حتى تخرج في النهاية بوجهة نظر خاصة تمكّنها من التواجد والتفاعل. 
هذا بالإضافة إلى عدد من الكلمات (وضعنا تحتها خطا) أعتقد أنك تحتاجين مراجعتها في معجمك لبيان صحتها من عدمه، خاصة وأنت تمتلكين موهبة نقية صادقة أرجو أن تهتمي بها وتقومي على رعايتها جيدًا كي لا نفقد قلمًا حساسًا عذبًا ينتج لنا نصوصا جميلة على أسس إبداعية صادقة.


نشر في إسلام أون لاين، نادي المبدعين  6 أغسطس 2002