الثلاثاء، يناير 03، 2012

توأم الروح

كتب في 13 مايو 2002


قبل الغروب بوقت قليل... بدت الشمس كنصف قرص يغرب على استحياء...
ولم يبق من نورها سوى خيوط من عسجد ... أرسلتها تداعب أمواج البحر الهادئة...
لترسم على صفحة الماء أجمل صورة فنية...
هناك على شاطئ البحر جلست القرفصاء... 
أتأمل البحر وأودع الشمس...
وأداعب بيدي رمال الشاطئ... 
وأتلطف نسمات الهواء العليلة... وأغازل الطيور المحلقة في السماء ...
وأطرب لسماع أصوات طيور النورس...
وتكاد تكتمل الصورة الرومانسية الرائعة...
إلا من عنصر واحد، غاب عنها وأورثها وحشة وحزنًا دفينًا، ودموعًا هادئة، ونفسًا منتظرة...
تترقب مرآه وتحن للقياه...
وتحسه سيأتي قريبًا... نعم سيأتي لن يتركني أكثر من ذلك...
أليس كذلك يا فارسي النبيل ؟!
أتراك تفعل أم أنك ستظل حلمًا واهمًا ؟!
وسرابًا يتراءى لي من بعيد ...
لا يجدي معه الجري واللهثان...
إن طالت فترة غيبتك يا فارسي...
فأذن لي أن أزيل ما بيني وبينك من حجب وموانع... 
وأتحدث إليك مشافهة...
عفوًا يا فارسي إن تجرأت... 
وطلبت منك الإذن بالدخول عليك...  
فإن القلب ملتاع والصدر جياش... 
وقد أسكنتك سويداء قلبي... 
فمن علي بمناجاتك ولو للحظات...  
كيف تبدو صورتك يا فارسي؟!
أراك شهمًا نبيلاً... بطلاً مغوارًا... كريمًا عطوفًا... 
تمتد يداك لتمسح على رؤوس المحرومين، فتملؤهم غبطة وحنانًا، وقوة وشموخًا... 
أتراني أكون من هؤلاء الذين ستتفضل عليهم، فتمنحهم هذه اللمسة العطوفة الحانية... 
عفوًا منك يا ملك فؤادي وحبيب قلبي.. .
إن تجرأت وتحدثت إليك بهذا الحديث، فإني قد سمعت عنك كثيرًا، وأصغيت لما يقال عنك ...
وأحببتك قبل أن أراك...
وأعجبت بشيمك وأخلاقك...
وشهامتك وبسالتك...
وعطفك وحلمك...
وأشعر بك تغمرني بحنانك، وتربت على كتفي حين يضيق بي صدري وتضيق بي الأرض بما رحبت...
أشعر بأنك تحس بي وتعرفني... على الرغم من أنك لا تعرفني...
ربما لأني من جملة هؤلاء المحرومين المأسورين الذين ينتظرون الخلاص بين يديك...
حبك بين أضلعي وجوانحي...
يتجول في مجالات قلبي وروحي  ...
ويتنفس مع أنفاسي الصاعدة والهابطة...
إنك معي يا توأم الروح فهل أكون معك يوما؟  
الطير الجريح.  


  النقد والتعليق: 
عماد مطاوع - سيناريست وقاص 
ربما لم تحتفِ الفنون العديدة بشيء يعدل احتفاءها بفارس أو بفتاة الأحلام؛ ذلك أن الفنون عمومًا كانت تلجأ إلى هذا الموضوع الشديد الالتصاق بالغالبية العظمى من البشر –لا سيما في مراحل عمرية معينة– وأيضًا لما يحملون همًا رومانتيكيًا (وأقول همًّا؛ لأن الرومانسية صارت تمثل عبئًا شديدًا لأنها تناطح السعار المادي للحياة العصرية الجامدة). 
وهناك الكثير من الأفلام والأعمال الدرامية التي تناولت مثل هذه الأفكار، وربما كان الشعر هو الوسيط الأقرب في التعبير عن هذا، إلا أننا نطالع أحيانًا بعض النصوص التي تتخذ من هذا الموضوع مادة لها. وفي هذا النص نجد أن بطلته فتاة حالمة، تجلس على شاطئ البحر في وقت المغيب تراقبه، وهنالك تعتمل الأشواق بداخلها وتستدعي فارسها الأثير وتناجيه في لوحة بديعة من الجمل المنتقاة التي تعبر عن نفس مرهقة تصبو للتواصل مع الآخر / الفارس، بكل دلالاته. 
في هذا النص تضع الكاتبة فارسها في مصافّ الأبطال الأسطوريين الذين تحفل بهم مثل هذه الكتابات على مرّ السنين، ونجدها تصفه بصفات عديدة، منها قولها: "أراك شهما نبيلا.. بطلا مغوارًا كريمًا عطوفًا تمتد يداك لتمسح على رؤوس المحرومين، فتملؤهم غبطة وحنانًا وقوة وشموخًا". 
وهي بهذه التشبيهات تُحيل فتاها إلى فارس من فرسان العصور الوسطى، أو إلى ملاك مخلص، ينتظره المحرومون وذوو الحاجات، ثم نجدها تتضاءل إلى جواره في تفانٍ شديد وذوبان داخل شخصيته المرجوة بالطبع، وفي أنثوية رقيقة تقول:
"أتراني أكون من هؤلاء الذين ستتفضل عليهم، فتمنحهم هذه اللمسة العطوفة الحانية. 
عفوًا منك يا ملك فؤادي وحبيب قلبي". 
وتواصل خلع صفات عديدة عليه، حتى نستشعر في نهاية هذا النص ألاّ حياة لها إلا بجانب فارسها هذا، وأنها لن تستطيع الحياة بعيدًا عنه، ورغم أنه غير موجود بالفعل، فإنها تعلن أنها ستظل مرتبطة به، وأنه سيظل مع أنفاسها إلى الأبد. 
وهذا النص استطاع التعبير -بقوة- عن بطلته ذات الروح المرهفة، لكنها قلقة في نفس الوقت، ومحملة بميراث شديد من الألم الإنساني، وعدم القدرة على التواصل مع ما هو محيط بها، ولهذا لجأت إلى استدعاء فارسها من غياهب اللاوعي، وجلست تناجيه، مستخدمة جملا وكلمات رقيقة عذبة عبّرت ببلاغة عما يعتمل داخل صدر فتاة حالمة مؤرقة بهمٍّ شعوريٍّ في مثل هذه الأيام التي أعلنت الحرب على كل ما هو روحي، وانتصرت للمادة، وصارت في ركابها. 
وهذا النص رغم كلاسيكية موضوعه فإنه سيظل حيًّا متماشيًا مع إيقاعنا اليومي بقدر ما سيوجد على الأرض من حالمين. 
لكن تقنية كتابة مثل هذه النصوص تستدعي ذكاءً شديدًا في طريقة التناول، حتى تضيء نقاطًا جديدة لم يتطرق إليها الكثيرون. وفي هذا النص مراوحة بين فن القصة بسرديته والرابط الحكائي فيه، وبين الشعر بسلاسة كلماته، وعذوبتها وإيجاد جرس موسيقي به. 
ومع ذلك فالنص -بالفعل- لم يتجاوز لنوع من الجنسين، وظل يمسك بخصيصةٍ من هذا أو من تلك، ليبقي نفسه في زاوية الخاطرة العميقة التناول التي تتكئ على محصّلة جيدة من مشاعر المتلقي للوهلة الأولى.. إذ إنها كتبت على نسق قصائد الشعر الحديث. إلا أننا مع بداية القراءة نكتشف حقيقية هذه التجربة بجلاء، وهي توضح امتلاك الكاتبة للحسّ الإبداعي بالفعل، إلا أنها تحتاج إلى الكثير من المثابرة والقراءة للوقوف على طبيعة الإبداع وحقيقة ما يُكتب حتى تخرج في النهاية بوجهة نظر خاصة تمكّنها من التواجد والتفاعل. 
هذا بالإضافة إلى عدد من الكلمات (وضعنا تحتها خطا) أعتقد أنك تحتاجين مراجعتها في معجمك لبيان صحتها من عدمه، خاصة وأنت تمتلكين موهبة نقية صادقة أرجو أن تهتمي بها وتقومي على رعايتها جيدًا كي لا نفقد قلمًا حساسًا عذبًا ينتج لنا نصوصا جميلة على أسس إبداعية صادقة.


نشر في إسلام أون لاين، نادي المبدعين  6 أغسطس 2002


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق