الثلاثاء، فبراير 28، 2012

أدبيات في مسألة الأقليات

كتب في 20 مايو 2005
اهتم حقلان أساسيان في المكتبة العربية بدراسات الأقليات هما حقلا العلوم السياسية والدراسات الإسلامية اللّذان يمثلُ كلٌّ منهما مدخلاً مختلفًا إلى المسألة. ونتناول فيما يلي نماذج دراسات سابقة في كل منهما. 


حقل العلوم السياسية
اهتمت العديد من الدراسات العربية و الغربية بالبحث في موضوع (الأقليات) و نتناول فيما يلي نماذج من كل منها. 
الدراسات الغربية :
موسوعة :أقليات في خطر : 230 أقلية في دراسة إحصائية و سياسية و اجتماعية [1]
انطلقت الدراسة من مسلّمة أساسية و هي حتمية الصراع بين (الجماعة الطائفية) و (الجماعة المهيمنة) _ حسب تسميات الدراسة _ مما يشكل تهديدا خطيرا و متناميا للأمن العالمي و المحلي؛ و بناء على هذا التصور رصدت الدراسة 230 جماعة طائفية في العالم ذات نشاط سياسي فيما بعد الحرب العالمية الثانية، وأسمتها ( أقليات في خطر). ومعيار الخطورة الذي تفترض  الدراسة تعرض الجماعة الطائفية له، هو تعرضها للتمييز السياسي و الاقتصادي، أولجوؤها إلى إجراءات سياسية لدعم مصالحها الجماعية أو كليهما. كما قدّمت الدراسة تفسيرا للظاهرة في إطار تحليل نظري يفسر الأسباب التي حدت بتعبئة الأقليات المتضررة للتأكيد على مصالحها، واحتوت على مضمون إمبريقي و حلّلت المعلومات و المادة الشفرية لكل الجماعات العرقية ذات المغزى السياسي لتتسق مع المفهوم العام للجماعات الطائفية.كما استخدمت منهج (الحالة المقارنة) لاستخلاص التعميمات، وقامت بتصنيف و اصطلاح للجماعات الطائفية المسيسة، حيث انقسمت إلى شعوب قومية وشعوب أقلية. وانقسمت الأولى إلى : قوميات عرقية و قوميات أصلية، و انقسمت الثانية إلى أجناس عرقية و ملل متطرفة. وانتهت الدراسة إلى أنّ التمييز المتعمد من قبل الجماعات المهيمنة هو السبب الأساسي للأضرار و المظالم الواقعة على الأقليات بأكثر مما ينتج عن الفروق الثقافية التي تفصل الأقليات عن الأغلبيات. 

وتمثّل هذه الدراسة نموذجًا للتعامل مع الأقليّات من المنظور الغربي، الذي يتعامل معها تعاملاً وظيفيا باعتبارها أداة لتحقيق  أهداف ومصالح، وشمل هذا التعامل الأقليات بوجه عام سواء داخل المجتمعات الغربية أو اليابان و الدول الآسيوية أو داخل عالمنا الإسلامي. 
الدراسات العربية:
1_ مقالة : الفقه السياسي للأقليات المسلمة [1]
عرضت المقالة الإشكاليات المتعلقة بواقع الأقليات المسلمة في المجتمعات غير المسلمة في إطار عام مقارن، و أوضحت أن الأقليات المسلمة تشترك في جوهر واحد هو تعرض العقيدة والقيم والسلوك والشخصية  المسلمة لتهديدات الإطار المحيط غير المسلم، بينما تفترق تبعا لمنشئها و نوع النظام السياسي –الاجتماعي-الاقتصادي الذي تعيش في ظله، وهو ما يسبب اختلافا في نوع المشكلات و التهديدات والفرص و الإمكانات لكل أقلية. 
2_ رسالة ماجستير :الأقليات والممارسة السياسية في الخبرة الإسلامية –دراسة حالة للدولة العثمانية [1]
اهتمت الدراسة بتحليل كيفية تعامل الدولة العثمانية مع مشكلة الأقليات داخلها على ضوء الخبرة النبوية و فترة الخلافة الراشدة، واستنادا للنصوص القرآنية والأحاديث النبوية ثم اجتهادات الفقهاء الأحناف في فهمها وتفسيرها وتطبيقها. واتّبعت الدراسة المنهج التحليلي وعدد من المقتربات ( الاقتراب التاريخي و اقتراب الفكر السياسي و اقتراب السلوك السياسي). 
3_ رسالة ماجستير :الدور السياسي للأقليات الإسلامية في المجتمع الأمريكي [1]
اهتمت الدراسة بالعلاقة بين ( الهوية و الاندماج ) لأبناء الأقلية المسلمة و (أبعاد الدور السياسي الذي تقوم به) واستخدمت عدة مفاهيم هي (الدور) و (الأقلية) و (الدين) و (الهوية). ولم يقم الباحث بأكثر من تناول المفاهيم السابقة كما وردت في مراجع العلوم الاجتماعية الحديثة، ثم تبني أحد التعريفات الإجرائية لكل منها نظرا لأن دراسته تتم في داخل إطار المجتمع الأمريكي. 


حقل الدراسات الإسلامية
اهتمت غالبية  الدراسات الإسلامية بدراسة (الأقلية المسلمة في البلاد غير المسلمة) و(الأقلية غير المسلمة في البلاد المسلمة) أي اهتمت بمكون (الدين) فقط في موضوع الأقليات، ونشأ هذا الاهتمام في إطار العديد من القضايا المعاصرة التي فرضت نفسها في صورة إشكالات فقهية تطلب الإجابة من الفقه الإسلامي، أي في صورة ( مستفتي _فتوى _ مفتي ) و إن كان المستفتي هنا جماعة وليس فرد، والفتوى فتوى عامة وليست خاصة. 
و من الدراسات التي اهتمت بالأقليات غير المسلمة في البلاد المسلمة: 
 1_مقالة :حرية الأقليات غير المسلمة في العالم الإسلامي [1]
و من الدراسات التي اهتمت بالأقليات المسلمة في البلاد غير المسلمة :
2_ فقه الأقليات : نظرات تأسيسية [1]
و نكتفي هنا بعرض الثانية فقط .
يعرض د.العلواني رؤية فقهية مجدّدة في مسألة الأقليات، باعتبارها من المسائل المستجدة في زماننا هذا، والتي لا تحتاج فقط إلى أحكام جديدة و إنما تستدعي بناء أصول فقهية جديدة، حيث لم تجابه هذه المسألة بواقعها الجديد _ حسب العلواني _ فقهاء الإسلام الأقدمين، لاعتبارات تتعلق بتحقيق المناط، وأخرى تتعلق بأسباب منهجية؛ ولذلك فإن موقف الفقيه المعاصر من فتاوى العلماء الأقدمين يجب أن يكون موقف المستأنس، ولا يجب أن يكون موقفا مرجعيا تؤخذ منه الأحكام مباشرة و تطبق .
و يسعى منهج د.العلواني إلى بناء أسس تؤصل لبناء فقه نوعي خاص بالجماعات المسلمة التي تعيش في الغرب. يمكن تلخيص هذا المنهج في التالي :
_ بناء المفاهيم القرآنية الضابطة لعلاقة المسلمين بغيرهم:
مفهوم القسط : يحدد الأساس القانوني و الأخلاقي في معاملة المسلمين بغيرهم.
مفهوم الأمة في القرآن الذي وصف بالخيرية و الإخراج يقتضي أمانة توصيل رسالة الإسلام في أرض يمكن إظهار الإسلام فيها .
مفهوم الانتصار : و الذي يؤصل للتفاعل الإيجابي للمسلم مع الوسط الذي يعيش فيه.
_ إعادة قراءة تجربة هجرة المسلمين للحبشة باعتبارها مثالا على لجوء المسلمين إلى بلاد الكفر،لحماية دينهم في عصر استضعاف شبيه بحال المسلمين الآن. ولهذه التجربة مغزى تأصيلي لكونها وقعت في عهد التشريع .
_ فهم واقع الأقليات المسلمة عبر العديد من التساؤلات التي يجب على فقيه العصر الإجابة عليها في محاولته لتحقيق المناط. فالواقع الذي ناط به العلماء الأقدمون أحكامهم به يختلف عن الواقع المتعين الآن الذي يجب أن تناط به الأحكام .
و يعتبر د. العلواني فقه الأقليات مدخلا مناسبا لتجديد الفقه الإسلامي و بناء الفقه الأكبر، ويظهر هذا في عرضه لاثني عشر أصلا جديدا لهذا الفقه، وعدم ربطه لهذه الأصول بفروعها _ التي هي مسائل الأقليات المسلمة _ بل يعرضها كأصول عامة لتنظير فقهي متجدد. 




[1] أ.د.طه جابر العلواني : مدخل إلى فقه الأقليات-نظرات تأسيسية (المعهد العالمي للفكر الإسلامي :مجلة إسلامية المعرفة،العدد 19)




[1] د.محمد عمارة :حرية الأقليات غير المسلمة في العالم الإسلامي (المعهد العالمي للفكر الإسلامي ،مجلة إسلامية المعرفة،العدد 31-32)



[1] عصام عبد الشافي : الدور السياسي للأقليات الإسلامية في المجتمع الأمريكي 1990-2000، رسالة ماجستير غير منشورة ( كلية الاقتصاد و العلوم السياسية،جامعة القاهرة ) 




[1] كمال السعيد حبيب :الأقليات و الممارسة السياسية في الخبرة الإسلامية –دراسة حالة للدولة العثمانية. رسالة ماجستير غير منشورة ،1995(كلية الاقتصاد و العلوم السياسية،جامعة القاهرة ) .




[1] د.نادية محمود مصطفى :الفقه السياسي للأقليات المسلمة :الإسلام و قضايا العصر ،إسلام أون لاين .نت
انظر في اختلاف المنظور الإسلامي عن الغربي في التعامل مع مشكل الأقليات : رفعت سيد أحمد : تقديم الترجمة العربية لكتاب :أقليات في خطر. و عن اختلاف دوافع الاهتمام بقضية الأقليات من منظور إسلامي و آخر غربي. انظر :مقالة د.نادية محمود مصطفى في الهامش الثاني التي أوضحت أن المنظور الإسلامي ينطلق من دوافع النصرة والدعوة و الحفاظ على معالم الشخصية المسلمة بينما ينطلق المنظور الغربي من دوافع سياسية و أمنية .


[1] تيد روبرت جار ،مجدي عبد الحكيم ( تعريب ) : أقليا ت في خطر ( القاهرة : مكتبة مدبولي 1995) 

الاثنين، فبراير 27، 2012

رؤية حول أحداث غزة - البشري

كتب في 4 فبراير 2009




في الرابع من فبراير 2009، حاضر المفكر المستشار طارق البشري في ملتقى مركز الحضارة للدراسات السياسية حول موضوع الحرب على غزة، بعنوان: "رؤية حول أحداث غزة"، وقد حضر الملتقى لفيف من المثقفين والطلاب المهتمّين بالشأن العام. وعلى الرغم أنّ موضوع الحرب على غزة قد استفاض في تناوله الكثير من المحللين والسياسيين وذوي الرأي، إلاّ أنّ المفكر والمؤرخ المستشار البشري قدّم لنا رؤية متميزة للأحداث نستطيع أن نصفها "بالرؤية حضارية". تميزت رؤية البشري بقراءة التاريخ واستنتاج السنن التاريخية، التي يمكن من خلالها فهم الحاضر وتفسيره واستشراف المستقبل، كما تميزت باستدعاء القيم والدين وقراءة الكليات من خلال جزئيات الواقع المتناثرة. تناول البشري رؤيته في أربعة محاور رئيسة: 
  1. أهمية أرض الشام  للأمن القومي المصري.
  2. الحروب على العالم العربي في التاريخ المعاصر. 
  3. الحروب النظامية والمقاومة الشعبية. 
  4. فلسطين بين أهل الداخل وأهل الخارج. 

· أهمية أرض الشام للأمن القومي المصري:
        أكد المستشار البشري أنّه لا يمكن الحفاظ على الأمن القومي المصري دون حماية شاميّة، فعلى الرّغم أنّ مصر تتمتع بالتجانس الدّاخلي؛ إذ لايوجد فيها قبائل أو طوائف أوتكوينات إقليميّة متباينة، إلاّ أنّ أمنها القومي بكامله معرّضٌ للخطر دون حماية خارجيّة؛ وبالتّالي فإنّ مصر لايمكن أن يكون لها إرادة سياسيّة قويّة دون تأمين أمنها القومي من جهة حدودها الجنوبيّة وحدودها الشماليّة الشرقيّة. هذه الحقيقة برهن عليها التاريخ عدة مرّات، ففي التاريخ الوسيط نجد أنّ موقعة حطين التي هزم فيها الصليبيون القادمون من الغرب، وقعت في أرض الشام، وكذا موقعة عين جالوت، التّي هُزم فيها التتار القادمون من الشرق، وقعت في أرض الشّام كذلك، والسلطان سليم سيطر على الشام قبل السيطرة على مصر ليضمن حكمه فيها، أمّا علي بك الكبير ، فإنّه أرسل أحد الولاة للسيطرة على الشام، لضمان الحفاظ على ولايته على مصر عام 1759، وفي عام 1789 غزا نابليون مصر، ثمّ غزا عكّا في يناير 1799ليضمن نجاح غزوه لمصر. كذلك فقد اقترن اسم مصر والشام في المعاهدات، فمعاهدة لندن التي وُقّعت في عهد محمد علي، جعلت كلاًّ من مصر والشام تحت الهيمنة الأوروبية. وقد فطن الإنجليز لأهميّة الحماية الشامية للحفاظ على الحكم في مصر، فعندما نجحوا في الاستئثار بمصر وحدهم وإلغاء أيّ نفوذ أوروبّي آخر في عام 1882، وفرضوا الحماية الإنجليزيّة على مصر عام 1914، أتبعوا ذلك مباشرةً بوعد بلفور عام1917، وسوّغ الإنجليز هذا الوعد بضرورته لحماية النفوذ على قناة السويس؛ وكنتيجة لهذا وُضعت فلسطين تحت الحماية الإنجليزية عام 1922، وعُيّن مندوب سامي يهودي لتنفيذ المشروع. ويقترن اسم مصر بالشام كذلك في: مركز تموين الشرق الأوسط، الّذي عُني بالتكامل الاقتصادي بين مصر والشام. 

·   الحروب على العالم العربي في التاريخ المعاصر: 
اعتبر البشري أنّ الحروب الأمريكيّة الإسرائيليّة كتلة واحدة، بالاستناد إلى أنّ السياسة الأمريكية الإسرائيلية لم تتغير أبدًا، فقد سبق أن تغيّرت السياسة الأمريكيّة مع الاتحاد السوفييتي، والصين، والهند، وباكستان، وأمريكا الجنوبية. أي أنّ السياسات تتعدد وفق الظروف والأحوال؛ ولكنّ السياسة الأمريكيّة الإسرائيليّة لم تتغير ولم تتعدّد لاتحاد المصلحة بينهما، فمن حقّنا إذن أن نعتبر الحروب الأمريكيّة الإسرائيليّة حروبًا واحدة. ومنذ عام 1948 تعرّض العالم العربي لاثني عشر حرب متتالية في غضون ستين سنة. وبرؤية معاكسة، فهذه الحروب المتتالية، هي حربٌ واحدة بوقائع متسلسلة امتدت على مدى ستين سنة. وبالتالي فإنّ أمريكا وإسرائيل عدوٌّ واحد مشترك استراتيجي للعالم العربي، والمواجهة معه مواجهة استراتيجيّة على المدى الطويل. وتظهر هنا المفارقة عندما يستهدف العدو العالم العربي ككل ويوحده كهدف، ومع ذلك فإنّ العالم العربي لا يتوحد ( أي هو يوحدك وأنت لا تتوحد)  وبناءً على هذه الرؤية لتحديد من هو العدوّ، أحصى المستشار البشري اثنا عشرة حربًا خاضتها أمريكا وإسرائيل ضد العالم العربي في ستين سنة. 
الحروب الاثنتا عشرة: 

1.    العدوان على فلسطين وقيام دولة إسرائيل.
2.   1956 العدوان الثلاثي على مصر.
3.   1967 العدوان على مصر.
4.   حرب الاستنزاف.
5.   1973 تحرير سيناء.
6.   1982 العدوان على لبنان.
7.   1987 الانتفاضة الفلسطينيّة.
8.   1991 حرب الخليج.
9.   2000 الانتفاضة الفلسطينيّة الثانية.
10.              2003 الحرب على العراق.
11.              2006 الحرب على لبنان.
12. 2008 الحرب على غزة. 
    ·       الحروب النظامية والمقامة الشعبية:
        وبرؤيةٍ ثاقبة للواقع والتاريخ، أنار البشري المشهد الدامي للحرب على غزة برؤية حكيمة وواعية لمفهوم المقاومة الشعبية وقدراتها التاريخيّة وفعاليّتها في إجلاء المحتل. فالوسيلة الأساسيّة لمكافحة احتلال عسكري لدولة كبرى هو المقاومة الشعبية التي لاتعتمد على قوة الجيوش النظاميّة. والحقائق التاريخية في مجال مكافحة الاحتلال تثبت ذلك، فلم يسجّل التاريخ أنّ بلدًا ما قد تحرّر بواسطة جيشه النّظامي، هذا القانون سارٍ في التاريخ بغضّ النظر عن اختلاف الأديان والأعراق والجغرافيا، فقد غلبت فيتنام الولايات المتحدة، وغلبت الصين الاحتلال الياباني، وغلب الجزائريون الاحتلال الفرنسي، كما إنّ المقاومة الشعبيّة تزدهر في الدول التي لا يوجد فيها سلطة مركزية قوية، فقد نشأت المقاومة الشعبية في لبنان حيث الدولة ضعيفة ونشأت في فلسطين حيث لا دولة. 
ولنجاح المقاومة الشعبيّة في إجلاء المحتل،ّ عليها استيفاء شروط دلّنا عليها التاريخ كذلك وهي: 

  1. تفادي المعارك الحاسمة: تعتمد المعارك النظاميّة أساسًا على الحسم، وإذا قرأنا العصر الوسيط نجد أنّه إذا غلب أحد الجيشين المتحاربين الآخر في معركة حاسمة، سقطت البلد في يد المحتل. وإذا سقطت العاصمة سقطت البلد كذلك؛ ولذلك فإنّ المقاومة الشعبيّة، يجب أن تدرك الرباعيّة التالية لتنجح: إذا تابعك العدو، اهرب؛ إذا تقدم العدو، تقهقر؛ إذا استقر العدو، اضربه؛ إذا وقف العدو ناوشه. وهذا يفسر لنا عدم قدرة الجيوش النظامية للبلاد المحتلة على إجلاء المحتل، فجيش الاحتلال عادةً ما يتمتّع بتفوق اقتصادي كبير، وتكنوجيا وأسلحة حديثة ونظام تدريبي دقيق، في حين أن جيش البلاد المحتلة يفتقد هذه الإمكانات العالية؛ وبالتالي فالمقارنة بينهما ستكون في صالح جيش الاحتلال. 
  2. المقاومة الشعبيّة في حاجةٍ إلى تضحيات، فلا مفرّ من العدد الكبير للخسائر البشرية. 
  3. المقاومة الشعبيّة تدافع عن الوجود بينما يدافع العدو عن المصلحة. والمصلحة أقصر من الوجود وأقل ضرورةً منه، فنجاح المقاومة في إجلاء العدو مرهون بنجاحها في جعل وجود العدو في الأرض المحتلّة قلق وغير مستقر وغير مفيد له، واستمرار بقائه يعود عليه بالخسارة وليس بالنفع. 
وعند قراءة التجربة المصريّة في إجلاء الاحتلال، سنفهم أنّ المقاومة الشعبيّة نشطت في عام1951عندما ألغى مصطفى النّحاس المعاهدة مع الإنجليز؛ وبالتالي أصبح الوجود الإنجليزي غير مشروع، فردّ الإنجليز على هذا النّشاط بارتكاب مذبحة في الإسماعيليّة ضدّ البوليس، بغرض استدراج الدولة لمعركة حاسمة حتى يُقضى الأمر وهو مالم يحدث. وعندما نجحت الثورة في 23 يوليو 1952 وأُلغيت الأحزاب، لم يكن هناك من يقاوم الإنجليز. والجيش النظامي ليس في مقدوره مجابهة الإنجليز؛ فما كان من رجال الجيش إلاّ أن قاوموا الإنجليز بصفتهم المدنيّة على الرّغم من انتمائهم للجيش، ونجحوا في إجلاء المحتلّ. 
  • فلسطين بين أهل الداخل والخارج: 
 قدّم البشري رؤية لمنشأ حركات المقاومة الفلسطينيّة، بين الداخل الفلسطيني والخارج، فقد كان المجتمع الفلسطيني _ككل المجتمعات البشرية_ يتكوّن من طوائف وطبقات وقبائل وأسر. وعندما احتلّ الصهاينة الأرض الفلسطينية ومارسوا جميع أنواع التشتيت والتقتيل، تمزّقت البنية الاجتماعيّة الفلسطينيّة وتحوّل المجتمع الفلسطيني إلى ركام من التجمّعات.كان يجب أن يمرّ وقتٌ طويل حتى يتجمّع المجتمع من جديد ويستقرّ، وفي ذلك الوقت كانت منظّمة التحرير الفلسطينيّة تمثّل للفلسطينيّين رمز الوطن، ورمز الانتماء للوطن. أي أنّها كانت بمثابة وطن تصوّري، وبحكم تنقّلها بين عدّة أقطار عربيّة أخذت المنظمة طابع الدولة التي تتخذها مقرًّا لها، وخضعت لتوازنات البلاد العربية، حتّى إنّه يمكن قراءة ملامح السياسة العربيّة ذات التوجّه الاستقلالي من خلال المنظّمة. وقد تنبّه لهذا الأمر ياسر عرفات فكان يخشى على المنظّمة من أن تُستوعب في الدولة التي تقيم فيها، ومن هنا كان دائمًا يرفع شعار: منظّمة التحرير الفلسطينيّة هي الممثّل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. وعندما اختفى التوجه الاستقلالي للبلاد العربيّة بدأت الحركة الفلسطينيّة تنتقل من الخارج إلى الدّاخل، وبدأت منظّمة التحرير الفلسطينيّة تتحوّل من "وطن" إلى "تنظيم"، ووجدت في مقابلها قوّة ذاتيّة فلسطينيّة داخليّة ممثّلة في: حماس والجهاد وفتح والجبهة الشعبيّة. وفي ظلّ هؤلاء المنافسين انعكست سياسة المنظمّة، وبدأت تؤكّد على علاقاتها بالخارج عن الداخل، ولاغرابة من وجود الصراع بين حركات المقاومة الفلسطينيّة؛ فحيثما كان هناك تنظيمات سياسيّة يدب نوع من أنواع الصراع فالرؤية مختلفة والإمكانات مختلفة، والأدوات مختلفة، وهذا كلّه يؤدي إلى اختلاف السياسات. 
هنا تكاملت رؤية البشري، وتفاعلت مع عقول الجمهور الحاضر الذّي أثار عددًا من الأسئلة الواعية والمتفاعلة مع الأحداث والتحليلات والرؤية، فقد طرحت د.باكينام المدرّس في كليّة الاقتصاد والعلوم السياسيّة سؤالاً حول خصوصيّة المقاومة الفلسطينيّة في مجابهتها لإسرائيل، ففي رأي د.باكينام أنّ إسرائيل تدافع عن وجودها مثل المقاومة تمامًا، فكيف نقيّم مدى نجاح المقاومة في المستقبل في ظل هذا الاختلاف الجوهري بين المقاومة الفلسطينيّة وحركات المقاومة على مسار التاريخ؟ هذا السؤال الجوهري أجاب عنه المستشار البشري بأنّه سؤال ملغز، ولكن لن يظهر هذا الإلغاز الآن؛ لأنّ المقاومة تركّز على إخراج العدوّ من الضفّة وغزّة، أمّا في المستقبل فإنّ هذا العدو سيدافع عن وجوده لأنّه استعمار استيطاني، وبالتالي ستظهر مشكلات في المستقبل نتيجة لهذا. 
سؤال آخر طرحته الأستاذة: فاطمة حافظ الباحثة في موقع بيبليوإسلام، وهو أنّه بقراءةٍ للتحليلات والآراء المنشورة في الصحف وغيرها حول الأحداث على غزة سنجد أنّ هناك اتجاهان في رؤية نتيجةِ الحرب وتقييمها لصالح إسرائيل أو حماس. فاتجاه منهما يدعم فلسفة الصمود والانتصار، بينما يرى الاتجاه الآخر أنّ الفلسطينيّين انهزموا فكيف يمكن الحديث عن نصر مع وجود هذا الكم الهائل من الشهداء والجرحى. وقد أجاب البشري بأنّه كما ذكر في رؤيته أنّه في مثل هذا النوع من المعارك يجب الابتعاد عن الحسم وقد نجحت حماس في ذلك، ومنعت إسرائيل من جعل هذه المعركة حاسمة لمصلحتها. 






الجمعة، فبراير 17، 2012

في عالم المسيري الخاص

كتب في 20 أغسطس 2008 

يمثل لي د.عبد الوهاب المسيري إنسانًا فريدًا عبقريًّا، فقد شاء كرم ربي أن أكون ممن تشرفت بمعرفته وتذوقت حلاوة صحبته في عالمه الخاص الجميل، الذي صنعه من عبقريته وإنسانيته وكرمه في جمال وانسجام. 

 كنا مجموعة من الفتية والفتيات مابين العشرة والعشرين، يزيد عددنا باستمرار، فدائمًا ماكان يضم إلينا إخوة جدد. كان لكل منا قصة خاصة في التعرف على د.هابو، وكان لكل منا في قلبه مكانًا ومكانة. وعلى الرغم من اهتماماتنا المختلفة فقد جمعنا الالتفاف حول الأب الحاني الرؤوف، ففي كل ثلاثة أو أربعة شهور كان يجمعنا لنستمتع بمشاركته هوايةً من هواياته الراقية الجميلة؛ فمرة يصطحبنا في فلوكة على النيل، ليشاركنا المتعة بمياه النيل الفضية الرائقة، ويحدثنا عن ذكرياته وأفكاره واهتماماته، ويشاركنا بعض ماقرأناه أو لاحظناه أو شاهدناه؛ ومرة ثانية يدعونا إلى منزله لنشاهد فيلمًا سينمائيًّا من انتقائه ويناقشنا حول تحليل الفيلم وأفكاره؛ وتارة ثالثة يأخذنا في جولة بالسيارات إلى حيّي الزمالك والمهندسين؛ لنزور المعارض الفنية الراقية التي يرسمها فنانون محترفون أوصغار، ولابأس أن يدفع ماله دون تردد إذا سلبت لبه إحدى اللوحات أو استولت على قلبه! 

أمّا في رمضان فلنا لقاء خاص جدًّا، فموعدنا في الثلث الأخير من شهر رمضان، ليهنأ لنا الفطور على مائدة شهية من يد أمنا العزيزة د.هدى حجازي التي نكن لها كل محبة وتقدير، وبعدها يصطحبنا إلى أزقة القاهرة الفاطمية، إلى بيت السحيمي أو الهراوي لنستمع إلى سيرة أبوزيد الهلالي أو غيرها من أمسيات فنية يهواها ويعشقها ويستمتع بها. 

هذا هو عالمنا الجميل الخاص، وهذا ليس كل شيء فهناك صالون المسيري الفكري الذي كنا نرتاده في بيته ثم انتقل إلى جمعية مصر للثقافة والحوار، وهناك أيضًا الزيارات الخاصة له لمتابعة عمل أو الاطمئنان على الصحة. ولاينسى الأب الحاني أن يتصل بكل منا للاطمئنان علينا بين الفينة والأخرى، ولم يكن يبخل علينا من وقته أو اهتمامه ليشاركنا مناسباتنا الخاصة. 

ذلك هو المسيري الإنسان، الذي يأنس بالجلوس إليه كل من يلقاه، ولا يهاب ذلك المفكر العملاق الذي قضى عمره في مواجهة الصهيونية ودعم الانتفاضة، بل يشعر كل من يأنس به أنه أمام إنسان عظيم بسيط، يلبس البسيط ويأكل البسيط ويتحدث بما يفهمه الناس، وسرعان مايدخل د.هابو مع زائره في صداقة متميزة ولا يتوانى عن مشاركة صديقه أحزانه وانكساراته أو أفراحه وانتصاراته. 

إنه إنسان موهوب الإحساس، موهوب التفكير، ولاتقل جمال الموهبتين عن الأخرى، قادر على التواصل مع متحدثه مهما كان عمره واهتمامه وثقافته، ومع ذلك فهو ميّال إلى العزلة بحكم كونه مفكِّرا ! إنه من القلائل الموهوبين بالقدرة على الجمع بين المتناقضات ! هذا هو المسيري الإنسان الذي عرفته !



في منزل د. المسيري في مصر الجديدة في عيد ميلاده العام 2004
مع د. المسيري في فلوكة على النيل (إبريل 2005)

الأحد، فبراير 12، 2012

قراءة في نشرات المرأة والحضارة


نشر في  4/9/ 2005 (مجلة الشهاب)


برزت قضية المرأة كإحدى القضايا المطروحة على الساحة الفكرية في أوائل القرن الماضي في إطار القضايا الناشئة إثر الصدمة الحضارية مع الغرب، و ظلت الأطروحات المختلفة بشأن قضايا المرأة تتبلور على مدار القرن في شكل مدارس فكرية نسوية مختلفة الاتجاهات، و لكن ظلت كلها تدور في فلك المنظومة الغربية المادية السائدة. 

وفي العقود الأخيرة من القرن الماضي نشأت العديد من الجهود الرامية إلى فك عرى التبعية بين الاجتهادات الفكرية في الداخل الإسلامي، و بين التحيزات الناجمة عن اتباع مبادئ و قواعد النظرية الاجتماعية المعاصرة النابعة من الإطار المعرفي الغرب. 

وفي إطار الجهود الرامية إلى تشكيل مبادئ نظام معرفي إسلامي، تنشأ في إطاره الاجتهادات الفكرية العامة للأمة، و كذلك الاجتهادات الفكرية الخاصة بقضايا المرأة أنشئت جمعية دراسات المرأة و الحضارة عام 1998 للعمل في إطار الهدف الأخير في القاهرة. و قد أثمرت جمعية دراسات المرأة و الحضارة ثلاث إصدارات لدورية ( المرأة و الحضارة ) صدرت في أعوام 2000/2001/2002 على التوالي، و يهدف هذا التقرير إلى التعريف بالدورية، من حيث المنظور و المنهج المعتمد في دراساتها، و أبرز القضايا و الملفات التي عالجتها، و مدى إسهامها في عملية التجديد الفكري الإسلامي بعامة. 

المنظور و المنهج

مدرسة المرأة و الحضارة مدرسة فكرية، تعتمد المنظور الحضاري في دراسات الاجتماع و العمران البشري، و تتخذ من المنظومة التوحيدية إطارا معرفيا لها. 

و الإطار المعرفي التوحيدي يعتمد كلاًّ من الوحي و الوجود مصدرين متكاملين للمعرفة، فالتوحيد في الرؤية الإسلامية ليس مجرد مبدأ عقدي أو صفة من صفات الخالق، و إنما له انعكاسات و دلالات معرفية شتى تتمثل في كونه دعامة النموذج المعرفي على المستوى العقدي و القيمي و الأخلاقي، و هو المقصد الأعظم الذي ينتظم كافة المقاصد و القيم الأخرى: التزكية و العمران و الحرية و المساواة و العدل. 

والتوحيد يتخلل أبعاد الظاهرة العمرانية و يربط فيما بينها؛ إذ هو الناظم الذي يصل بين عالمي الغيب و الشهادة ويتميز الإطار المعرفي التوحيدي بوجود أصل ثابت لا يتغير و هو القرآن الذي من شأنه أن يتيح منطلقا متعدد الأبعاد في التعامل مع الظواهر الاجتماعية يجمع بين أبعاد الغيب و الطبيعة و الإنسان، و يؤطر للتعامل مع تلك الظواهر ضمن ناموس التطور و الحراك المنضبط و المشدود إلى سنن ثابتة، و من شأن كل هذه الخصائص للإطار المعرفي التوحيدي أن تنعكس في تعامل أرشد و أنفع مع ظواهر العمران البشري عامة، التي تتقاطع معها و تدخل في لحمتها و سداها قضايا المرأة و الأسرة و النوع. 

وفي إطار سعي مدرسة المرأة و الحضارة إلى بناء حقل لدراسات المرأة في الداخل الإسلامي، تلتزم المدرسة منهجًا نقديًّا واعيًا في التعامل مع المعالجات التراثية و الغربية على حد سواء، فالمدرسة لا تقبل الانضواء تحت المدرسة النسوية الغربية ذات التوجه الفلسفي الوضعي و التي تتعامل مع المرأة باعتبارها المبدأ والمنتهى و الغاية و الوسيلة، و هو ما يفكك عرى الصلة العضوية بين المرأة و الجماعة . وعلى الجانب الآخر تقف المدرسة موقفًا نقديًّا تجاه الكتابات التراثية التي تؤصل لدونية المرأة و تهمش دورها و تنظر إليها ككيان تابع أو قاصر، ناقص الأهلية فاقد الذاتية. 

وعلى مستوى الآليات التحليلية، تعمد المدرسة إلى توظيف المنهجيات و المقتربات التي تأخذ بجدلية العلاقة بين الجزء و الكل، و التي تتناول قضايا المرأة ضمن سياقاتها الاجتماعية و الثقافية، سواء طُورت هذه المنهجيات من إطار العلوم التراثية أو من إطار العلوم الغربية. 

ندوة بنت الشاطئ : خطاب المرأة أم خطاب العصر مدارسة في جينولوجيا النخب الثقافية

ندوة ألقيت في مكتبة القاهرة الكبرى، و نشرت ورقتها الخلفية في العدد الأول من الدورية. ومفاد الندوة أن قراءة فكر بنت الشاطئ و سيرتها يعد مدخلاً لقراءة فكر النخب الثقافية المعاصرة لها، و يعد مناسبة لفتح ملفات العقل المسلم المعاصر و قراءة رحلة صراعه بين التحديث و المعاصرة و المواجهة مع الآخر الغربي من ناحية و بين الأصالة و التجديد و العودة للجذور الحضارية الإسلامية من ناحية أخرى. 

سيرة المرأة في التاريخ الإسلامي : مدخل لقراءة التاريخ الحضاري للأمة

و قد أفرد العدد الثاني كاملاً لتناول هذا الملف و هو جزء من مشروع أكبر، وهو مشروع إعادة تدوين تاريخ المرأة المسلمة، والذي يعد مدخلاً من المداخل التي تؤكد على الاندماج العضوي بين مشروع المرأة المسلمة و المشروع النهضوي العام للأمة؛ حيث يفتح البحث في تاريخ المرأة ملفًّا أكبر هو البحث في التاريخ الاجتماعي و الحضاري للأمة، في ظل المعرفية التوحيدية و رؤية التاريخ متعددة الأبعاد. و من ناحية أخرى فإن استقراء سيرة المرأة تسهم في عملية التأمل الذاتي النقدي و كشف و تأكيد الهوية الحضارية للأمة. و من ناحية ثالثة فإن مهمة تدوين تاريخ للمرأة المسلمة اقتضت تطوير و تحسين آليات و اقترابات بحثية جديدة، تسهم و لاشك في خدمة عملية البحث في العديد من قضايا الفكر المعاصر التي تحتاج إلى بحث وإجابات. 

المرأة في القرآن: الوحي مصدر للمعرفة

قضايا المرأة و الأسرة و النوع تعد إحدى القضايا المثارة على الساحة الفكرية، والتي تفرض نفسها على العقل المسلم، طالبة منه التفسير و الإجابة و الحل. والإطار المعرفي التوحيدي _ الذي تعمل المدرسة في إطاره _ يتجه إلى الوحي باعتباره مصدرًا للمعرفة، أي أنه يحمل بين آياته و معانيه و دلالاته، حلول و إجابات لأزمات كل عصر .لذلك فرفع إشكالية المرأة و النوع إلى القرآن الكريم و الافتقار إليه طلبا للهدى و الإرشاد، يعد مدخلاً و مثالاً، للاسترشاد بهذا الهدي في مختلف أزمات ومشاكل العصر. 

الأم و الأمة صنوان

صدر العدد الأول من الدورية عام 2000 حاملاً مقولة "الأم و الأمة صنوان ما بينهما وثاق يشد الأصل إلى الفرع و على منواله تنسج العمارة التي هي روح الحضارة" و قد اهتم العدد بالتعريف بالمنطلقات الفكرية و الأسس المنهاجية التي تعتمدها المدرسة، و إلقاء الضوء على موقف المدرسة من المدارس النسوية الغربية، كما يؤكد هذا العدد الافتتاحي أن السعي لبناء حقل لدراسات المرأة في الداخل الإسلامي هو سير في ركاب التجديد الفكري الإسلامي. 

سيرة المرأة في التاريخ الإسلامي

سيرة المرأة في التاريخ الإسلامي هو محور ملف الإصدار الثاني لدورية المرأة و الحضارة عام2001، و هو حلقة أولى ضمن حلقات متتالية في مشروع تدوين تاريخ المرأة المسلمة، الذي يقع في قلب المشروع الإصلاحي الهادف لتفعيل قيم الحق الشاملة و منها إنصاف المرأة المسلمة و إثبات حضورها الفاعل، و إسهامها المتجذر في بناء الأمة و حضارتها و علومها. و لما كان التاريخ المدون للمسلمين هو تاريخ نخبوي سياسي، فقد كانت صورة المرأة فيه باهتة و دورها مهمش، ما أدى إلى الاعتقاد السائد بضعف دور المرأة في المجتمع الإسلامي، و هو ما حدا بمدرسة المرأة و الحضارة إلى اختبار هذه المقولة الرائجة، و إيجاد طرح بديل. 

تتبنى مدرسة المرأة و الحضارة منظورًا حضاريًّا في قراءة التاريخ، فتاريخ الأمم هو تاريخ متعدد الأبعاد، منها السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والعمرانية، و يشترك في كتابته كلُّ فئات وطبقات المجتمع؛ و لذلك فقد اتجهت الباحثات إلى قراءة التاريخ الإسلامي في أبعاده غير السياسية، بحثًا عن المرأة فيه، وكانت النتيجة أن أسهمت هذه الرؤية الحضارية في ضرب المسلّمات القبلية القائلة بضعف فاعلية المرأة في المجتمع الإسلامي، و توصلت إلى كشف جديد حول واقع وموقع المرأة في التاريخ الإسلامي، و حقيقة أدوارها و مكانتها. 

اعتمدت الباحثات (السيرة) وحدة لتدوين تاريخ المرأة المسلمة، و اتجهن نحو المصادر الأصلية، في كتب الطبقات و التراجم، ليكتشفن فيها مادة ثرية و أرضًا خصبة لتدوين تاريخ مشرف وضيء للمرأة المسلمة. و كان اتجاه الباحثات نحو اعتبار المرأة / الفعل و الدور وحدة لتحليل السيرة الذاتية في مقابل المرأة / الشخص و الذات؛ حيث يؤكد الفعل على اندماج الذات في الأمة، و يؤكد على البعد المنهجي في الرؤية الحضارية للتاريخ، فالفرد ليس محور التاريخ و إنما له فيه موضع و دور. 

و على مستوى الآليات و الاقترابات في قراءة سير و تراجم النساء طورت الباحثات أثناء عملهن آليات جديدة أكثر ملاءمة للتعامل مع المعلومات المتناثرة حول النساء في المصادر الأولية و تسكينها في نسيج متكامل يكون تاريخًا مدونا للمرأة. واقتضت هذه الاقترابات إعادة قراءة و تحليل لكثير من المفاهيم التاريخية المستقرة حول المرأة مثل مفهوم السلطة و الطاعة، وطرح مفاهيم جديدة ذات أصول قرآنية مثل مفاهيم الولاية والمساواة والبيعة ونصرة الحق. 

و كما أزاح هذا الملف الستار عن التاريخ المشرق للمرأة المسلمة، و قدم قراءة جديدة له، فكذلك أسهم الملف في فهم و تفكيك المفاهيم و الأفكار الموروثة المنسوجة حول الدين التي تؤصل لاستضعاف المرأة و إبراز عناصر تكونها التاريخية و العرفية، و هو ما يعد بداية حقيقية للإنصاف و الإصلاح و التجديد. 

جاءت مقالات العدد في إطار المنظور و الأسس المنهاجية السالفة، و تحدثت عن نساء من فئات مختلفة، مثل النساء السياسيات و الفقيهات و المتصوفات وسيدات بيت النبوة والشاعرات، إضافة لنساء شكلن موضوعات أساسية للقصص والحكايات والأساطير العربية والتاريخية والشعبية.

و تلقي المقالات الضوء على أهمية دور المرأة وتأثيره السياسي والاجتماعي في حياة المسلمين والتغيرات التي طرأت على هذا الدور و أسبابها، و أهميتها في تشكيل هوية المرأة المسلمة، و هوية المجال الحضاري في مجمله منذ بدايات نشأته وحتى يومنا هذا. 

المرأة في القرآن

المرأة في القرآن هو محور ملف الإصدار الثالث لدورية المرأة و الحضارة عام 2002 الذي يأتي في إطار المحاولات الرامية إلى البحث عن منهاجية تجديدية و فاعلة لقراءة القرآن من منظور معرفي . و في إطار التعامل مع مصادر التنظير الإسلامي بعامة تفرق مدرسة المرأة و الحضارة تفريقًا أساسيًّا بين المصادر الأصلية (القرآن و السنة الصحيحة) والمشتقة ( كل أدبيات الفكر الإسلامي) و يعتبر هذا التفريق المنهاجي ملحًّا في الكثير من القضايا الفكرية، وهو أكثر إلحاحًا في قضايا المرأة، حيث امتلأت كتب التراث الإسلامي ( من فقه و تفسير ) بالأحكام و التفسيرات المتحيزة ضد المرأة و المؤصلة للرؤية الدونية لها، وهو ما يتناقض مع صريح القرآن المجيد. 

و تطرح مدرسة المرأة و الحضارة اقترابًا جديدًا للنص القرآني، باعتباره مصدرًا منشئا للرؤى المعرفية و الفكرية، و مصدرا للإجابة عن مختلف المسائل الإنسانية و الاجتماعية، على غرار ما اقترب منه الفقهاء من قبل باعتباره مصدرًا منشئًا للأحكام و مصدرًا للإجابة على مختلف المسائل الفقهية. 

هذا الاقتراب الجديد يتيح للباحث الاجتماعي البحث في المسألة الاجتماعية محل النظر و تحليلها و تفسيرها و قراءتها في مختلف جوانبها السياسية والاجتماعية  الفكرية، وإدراك آثارها الواقعية ومآلاتها، و هذه قراءة الوجود ثم العروج بالإشكالية الاجتماعية على القرآن المجيد افتقارا للإجابة و الحل و هذه قراءة الوحي. 

جاءت مقالات الملف في ثلاث محاور أساسية هي: المفاهيم و القصص القرآني و المنهج، عنيت الطائفة الأولى من المقالات بقضية المفاهيم، وساهمت في عملية مراجعة الكثير من المفاهيم السائدة في حقل الدراسات النسوية، و بناء مفاهيم جديدة نابعة من الهدي القرآني، مثل مفهوم( الزوجية) كمقابل قرآني لمفهوم (النوع). 

اتجهت الطائفة الثانية من المقالات إلى استكشاف الدلالات المعرفية للقصص القرآني الذي تناول نماذج لنساء تعددت أدوارهن و مكانتهن، كقصة ملكة سبأ و قصة مريم بنت عمران و قصة الخلق. وساهمت هذه الطائفة في إعادة صياغة الدور الإنساني للمرأة استرشادًا بالهدي القرآني، كما ساهمت في إعادة مراجعة كثير من المفاهيم التي تلصقها الثقافة الشعبية بالمرأة. 

أما الطائفة الثالثة من المقالات فقد انتقلت من الموضوع إلى المنهج، و سلطت الضوء على بعض الأسباب التاريخية التي أدت إلى تثبيت بعض أحكام فقهية مجحفة للنساء، وكيفية نقدها وتجاوزها. 

و في النهاية فقد أسفرت نتائج أبحاث الملف رؤى و تصورات في قضايا المرأة و الأسرة و النوع، أكثر عدلاً و إنصافًا و إنسانية من رؤى الفقهاء و المفسرين و الحداثيين على حد سواء. 

تقرير حالة المرأة المسلمة في العالم

تحرص الدورية في تناولها لقضايا المرأة على الجمع بين الأبعاد النظرية و المنهجية من جانب و الأبعاد العملية و الحركية من جانب آخر، و في إطار هذا التوجه اهتمت الدورية بدراسة واقع النساء الراهن، و تقديم تقارير حول التطورات الدينامية التي يشهدها الواقع، سواء في إطار رؤية عامة شاملة أو بالتركيز على منطقة أو جانب بعينه. 

اهتم العدد الأول برصد واقع المرأة عام 1999، و الذي يكتسب أهمية خاصة باعتباره عاما يختم قرنا شهد أوله بداية حركة نضال المرأة، و بذلك يكون تغطية أحداث العام الأخير منه بمثابة كشف حساب ختامي لواقع المرأة، للوقوف على أبعاد كيفية تغير هذا الواقع و الجوانب التي لا تزال بحاجة إلى تغيير. 

أما تقرير العدد الثاني فقد اهتم برصد حالة فريدة للضغط و الاضطهاد الذي لا تزال تعانيه نساء في عالمنا الإسلامي في مطلع الألفية الثالثة و هي حالة النساء الأفغانيات. وقدم العدد الثالث تقريرًا حول الشهيدات الفلسطينيات اللائي أحدثن طفرة جديدة في تاريخ النضال الفلسطيني. 

مراجعة الأدبيات المعاصرة

أُفرد باب مستقل في كل دورية عُني بتقديم مراجعات و عروض نقدية للأدبيات العربية المعاصرة، في قضايا المرأة و التي تمثل التيارات الفكرية المختلفة على الساحة العربية، ويهدف الباب إلى التعرف على مدى إسهام هذه الأدبيات في دفع و تطوير الحراك الثقافي العام.