الاثنين، فبراير 27، 2012

رؤية حول أحداث غزة - البشري

كتب في 4 فبراير 2009




في الرابع من فبراير 2009، حاضر المفكر المستشار طارق البشري في ملتقى مركز الحضارة للدراسات السياسية حول موضوع الحرب على غزة، بعنوان: "رؤية حول أحداث غزة"، وقد حضر الملتقى لفيف من المثقفين والطلاب المهتمّين بالشأن العام. وعلى الرغم أنّ موضوع الحرب على غزة قد استفاض في تناوله الكثير من المحللين والسياسيين وذوي الرأي، إلاّ أنّ المفكر والمؤرخ المستشار البشري قدّم لنا رؤية متميزة للأحداث نستطيع أن نصفها "بالرؤية حضارية". تميزت رؤية البشري بقراءة التاريخ واستنتاج السنن التاريخية، التي يمكن من خلالها فهم الحاضر وتفسيره واستشراف المستقبل، كما تميزت باستدعاء القيم والدين وقراءة الكليات من خلال جزئيات الواقع المتناثرة. تناول البشري رؤيته في أربعة محاور رئيسة: 
  1. أهمية أرض الشام  للأمن القومي المصري.
  2. الحروب على العالم العربي في التاريخ المعاصر. 
  3. الحروب النظامية والمقاومة الشعبية. 
  4. فلسطين بين أهل الداخل وأهل الخارج. 

· أهمية أرض الشام للأمن القومي المصري:
        أكد المستشار البشري أنّه لا يمكن الحفاظ على الأمن القومي المصري دون حماية شاميّة، فعلى الرّغم أنّ مصر تتمتع بالتجانس الدّاخلي؛ إذ لايوجد فيها قبائل أو طوائف أوتكوينات إقليميّة متباينة، إلاّ أنّ أمنها القومي بكامله معرّضٌ للخطر دون حماية خارجيّة؛ وبالتّالي فإنّ مصر لايمكن أن يكون لها إرادة سياسيّة قويّة دون تأمين أمنها القومي من جهة حدودها الجنوبيّة وحدودها الشماليّة الشرقيّة. هذه الحقيقة برهن عليها التاريخ عدة مرّات، ففي التاريخ الوسيط نجد أنّ موقعة حطين التي هزم فيها الصليبيون القادمون من الغرب، وقعت في أرض الشام، وكذا موقعة عين جالوت، التّي هُزم فيها التتار القادمون من الشرق، وقعت في أرض الشّام كذلك، والسلطان سليم سيطر على الشام قبل السيطرة على مصر ليضمن حكمه فيها، أمّا علي بك الكبير ، فإنّه أرسل أحد الولاة للسيطرة على الشام، لضمان الحفاظ على ولايته على مصر عام 1759، وفي عام 1789 غزا نابليون مصر، ثمّ غزا عكّا في يناير 1799ليضمن نجاح غزوه لمصر. كذلك فقد اقترن اسم مصر والشام في المعاهدات، فمعاهدة لندن التي وُقّعت في عهد محمد علي، جعلت كلاًّ من مصر والشام تحت الهيمنة الأوروبية. وقد فطن الإنجليز لأهميّة الحماية الشامية للحفاظ على الحكم في مصر، فعندما نجحوا في الاستئثار بمصر وحدهم وإلغاء أيّ نفوذ أوروبّي آخر في عام 1882، وفرضوا الحماية الإنجليزيّة على مصر عام 1914، أتبعوا ذلك مباشرةً بوعد بلفور عام1917، وسوّغ الإنجليز هذا الوعد بضرورته لحماية النفوذ على قناة السويس؛ وكنتيجة لهذا وُضعت فلسطين تحت الحماية الإنجليزية عام 1922، وعُيّن مندوب سامي يهودي لتنفيذ المشروع. ويقترن اسم مصر بالشام كذلك في: مركز تموين الشرق الأوسط، الّذي عُني بالتكامل الاقتصادي بين مصر والشام. 

·   الحروب على العالم العربي في التاريخ المعاصر: 
اعتبر البشري أنّ الحروب الأمريكيّة الإسرائيليّة كتلة واحدة، بالاستناد إلى أنّ السياسة الأمريكية الإسرائيلية لم تتغير أبدًا، فقد سبق أن تغيّرت السياسة الأمريكيّة مع الاتحاد السوفييتي، والصين، والهند، وباكستان، وأمريكا الجنوبية. أي أنّ السياسات تتعدد وفق الظروف والأحوال؛ ولكنّ السياسة الأمريكيّة الإسرائيليّة لم تتغير ولم تتعدّد لاتحاد المصلحة بينهما، فمن حقّنا إذن أن نعتبر الحروب الأمريكيّة الإسرائيليّة حروبًا واحدة. ومنذ عام 1948 تعرّض العالم العربي لاثني عشر حرب متتالية في غضون ستين سنة. وبرؤية معاكسة، فهذه الحروب المتتالية، هي حربٌ واحدة بوقائع متسلسلة امتدت على مدى ستين سنة. وبالتالي فإنّ أمريكا وإسرائيل عدوٌّ واحد مشترك استراتيجي للعالم العربي، والمواجهة معه مواجهة استراتيجيّة على المدى الطويل. وتظهر هنا المفارقة عندما يستهدف العدو العالم العربي ككل ويوحده كهدف، ومع ذلك فإنّ العالم العربي لا يتوحد ( أي هو يوحدك وأنت لا تتوحد)  وبناءً على هذه الرؤية لتحديد من هو العدوّ، أحصى المستشار البشري اثنا عشرة حربًا خاضتها أمريكا وإسرائيل ضد العالم العربي في ستين سنة. 
الحروب الاثنتا عشرة: 

1.    العدوان على فلسطين وقيام دولة إسرائيل.
2.   1956 العدوان الثلاثي على مصر.
3.   1967 العدوان على مصر.
4.   حرب الاستنزاف.
5.   1973 تحرير سيناء.
6.   1982 العدوان على لبنان.
7.   1987 الانتفاضة الفلسطينيّة.
8.   1991 حرب الخليج.
9.   2000 الانتفاضة الفلسطينيّة الثانية.
10.              2003 الحرب على العراق.
11.              2006 الحرب على لبنان.
12. 2008 الحرب على غزة. 
    ·       الحروب النظامية والمقامة الشعبية:
        وبرؤيةٍ ثاقبة للواقع والتاريخ، أنار البشري المشهد الدامي للحرب على غزة برؤية حكيمة وواعية لمفهوم المقاومة الشعبية وقدراتها التاريخيّة وفعاليّتها في إجلاء المحتل. فالوسيلة الأساسيّة لمكافحة احتلال عسكري لدولة كبرى هو المقاومة الشعبية التي لاتعتمد على قوة الجيوش النظاميّة. والحقائق التاريخية في مجال مكافحة الاحتلال تثبت ذلك، فلم يسجّل التاريخ أنّ بلدًا ما قد تحرّر بواسطة جيشه النّظامي، هذا القانون سارٍ في التاريخ بغضّ النظر عن اختلاف الأديان والأعراق والجغرافيا، فقد غلبت فيتنام الولايات المتحدة، وغلبت الصين الاحتلال الياباني، وغلب الجزائريون الاحتلال الفرنسي، كما إنّ المقاومة الشعبيّة تزدهر في الدول التي لا يوجد فيها سلطة مركزية قوية، فقد نشأت المقاومة الشعبية في لبنان حيث الدولة ضعيفة ونشأت في فلسطين حيث لا دولة. 
ولنجاح المقاومة الشعبيّة في إجلاء المحتل،ّ عليها استيفاء شروط دلّنا عليها التاريخ كذلك وهي: 

  1. تفادي المعارك الحاسمة: تعتمد المعارك النظاميّة أساسًا على الحسم، وإذا قرأنا العصر الوسيط نجد أنّه إذا غلب أحد الجيشين المتحاربين الآخر في معركة حاسمة، سقطت البلد في يد المحتل. وإذا سقطت العاصمة سقطت البلد كذلك؛ ولذلك فإنّ المقاومة الشعبيّة، يجب أن تدرك الرباعيّة التالية لتنجح: إذا تابعك العدو، اهرب؛ إذا تقدم العدو، تقهقر؛ إذا استقر العدو، اضربه؛ إذا وقف العدو ناوشه. وهذا يفسر لنا عدم قدرة الجيوش النظامية للبلاد المحتلة على إجلاء المحتل، فجيش الاحتلال عادةً ما يتمتّع بتفوق اقتصادي كبير، وتكنوجيا وأسلحة حديثة ونظام تدريبي دقيق، في حين أن جيش البلاد المحتلة يفتقد هذه الإمكانات العالية؛ وبالتالي فالمقارنة بينهما ستكون في صالح جيش الاحتلال. 
  2. المقاومة الشعبيّة في حاجةٍ إلى تضحيات، فلا مفرّ من العدد الكبير للخسائر البشرية. 
  3. المقاومة الشعبيّة تدافع عن الوجود بينما يدافع العدو عن المصلحة. والمصلحة أقصر من الوجود وأقل ضرورةً منه، فنجاح المقاومة في إجلاء العدو مرهون بنجاحها في جعل وجود العدو في الأرض المحتلّة قلق وغير مستقر وغير مفيد له، واستمرار بقائه يعود عليه بالخسارة وليس بالنفع. 
وعند قراءة التجربة المصريّة في إجلاء الاحتلال، سنفهم أنّ المقاومة الشعبيّة نشطت في عام1951عندما ألغى مصطفى النّحاس المعاهدة مع الإنجليز؛ وبالتالي أصبح الوجود الإنجليزي غير مشروع، فردّ الإنجليز على هذا النّشاط بارتكاب مذبحة في الإسماعيليّة ضدّ البوليس، بغرض استدراج الدولة لمعركة حاسمة حتى يُقضى الأمر وهو مالم يحدث. وعندما نجحت الثورة في 23 يوليو 1952 وأُلغيت الأحزاب، لم يكن هناك من يقاوم الإنجليز. والجيش النظامي ليس في مقدوره مجابهة الإنجليز؛ فما كان من رجال الجيش إلاّ أن قاوموا الإنجليز بصفتهم المدنيّة على الرّغم من انتمائهم للجيش، ونجحوا في إجلاء المحتلّ. 
  • فلسطين بين أهل الداخل والخارج: 
 قدّم البشري رؤية لمنشأ حركات المقاومة الفلسطينيّة، بين الداخل الفلسطيني والخارج، فقد كان المجتمع الفلسطيني _ككل المجتمعات البشرية_ يتكوّن من طوائف وطبقات وقبائل وأسر. وعندما احتلّ الصهاينة الأرض الفلسطينية ومارسوا جميع أنواع التشتيت والتقتيل، تمزّقت البنية الاجتماعيّة الفلسطينيّة وتحوّل المجتمع الفلسطيني إلى ركام من التجمّعات.كان يجب أن يمرّ وقتٌ طويل حتى يتجمّع المجتمع من جديد ويستقرّ، وفي ذلك الوقت كانت منظّمة التحرير الفلسطينيّة تمثّل للفلسطينيّين رمز الوطن، ورمز الانتماء للوطن. أي أنّها كانت بمثابة وطن تصوّري، وبحكم تنقّلها بين عدّة أقطار عربيّة أخذت المنظمة طابع الدولة التي تتخذها مقرًّا لها، وخضعت لتوازنات البلاد العربية، حتّى إنّه يمكن قراءة ملامح السياسة العربيّة ذات التوجّه الاستقلالي من خلال المنظّمة. وقد تنبّه لهذا الأمر ياسر عرفات فكان يخشى على المنظّمة من أن تُستوعب في الدولة التي تقيم فيها، ومن هنا كان دائمًا يرفع شعار: منظّمة التحرير الفلسطينيّة هي الممثّل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. وعندما اختفى التوجه الاستقلالي للبلاد العربيّة بدأت الحركة الفلسطينيّة تنتقل من الخارج إلى الدّاخل، وبدأت منظّمة التحرير الفلسطينيّة تتحوّل من "وطن" إلى "تنظيم"، ووجدت في مقابلها قوّة ذاتيّة فلسطينيّة داخليّة ممثّلة في: حماس والجهاد وفتح والجبهة الشعبيّة. وفي ظلّ هؤلاء المنافسين انعكست سياسة المنظمّة، وبدأت تؤكّد على علاقاتها بالخارج عن الداخل، ولاغرابة من وجود الصراع بين حركات المقاومة الفلسطينيّة؛ فحيثما كان هناك تنظيمات سياسيّة يدب نوع من أنواع الصراع فالرؤية مختلفة والإمكانات مختلفة، والأدوات مختلفة، وهذا كلّه يؤدي إلى اختلاف السياسات. 
هنا تكاملت رؤية البشري، وتفاعلت مع عقول الجمهور الحاضر الذّي أثار عددًا من الأسئلة الواعية والمتفاعلة مع الأحداث والتحليلات والرؤية، فقد طرحت د.باكينام المدرّس في كليّة الاقتصاد والعلوم السياسيّة سؤالاً حول خصوصيّة المقاومة الفلسطينيّة في مجابهتها لإسرائيل، ففي رأي د.باكينام أنّ إسرائيل تدافع عن وجودها مثل المقاومة تمامًا، فكيف نقيّم مدى نجاح المقاومة في المستقبل في ظل هذا الاختلاف الجوهري بين المقاومة الفلسطينيّة وحركات المقاومة على مسار التاريخ؟ هذا السؤال الجوهري أجاب عنه المستشار البشري بأنّه سؤال ملغز، ولكن لن يظهر هذا الإلغاز الآن؛ لأنّ المقاومة تركّز على إخراج العدوّ من الضفّة وغزّة، أمّا في المستقبل فإنّ هذا العدو سيدافع عن وجوده لأنّه استعمار استيطاني، وبالتالي ستظهر مشكلات في المستقبل نتيجة لهذا. 
سؤال آخر طرحته الأستاذة: فاطمة حافظ الباحثة في موقع بيبليوإسلام، وهو أنّه بقراءةٍ للتحليلات والآراء المنشورة في الصحف وغيرها حول الأحداث على غزة سنجد أنّ هناك اتجاهان في رؤية نتيجةِ الحرب وتقييمها لصالح إسرائيل أو حماس. فاتجاه منهما يدعم فلسفة الصمود والانتصار، بينما يرى الاتجاه الآخر أنّ الفلسطينيّين انهزموا فكيف يمكن الحديث عن نصر مع وجود هذا الكم الهائل من الشهداء والجرحى. وقد أجاب البشري بأنّه كما ذكر في رؤيته أنّه في مثل هذا النوع من المعارك يجب الابتعاد عن الحسم وقد نجحت حماس في ذلك، ومنعت إسرائيل من جعل هذه المعركة حاسمة لمصلحتها. 






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق