الجمعة، فبراير 17، 2012

في عالم المسيري الخاص

كتب في 20 أغسطس 2008 

يمثل لي د.عبد الوهاب المسيري إنسانًا فريدًا عبقريًّا، فقد شاء كرم ربي أن أكون ممن تشرفت بمعرفته وتذوقت حلاوة صحبته في عالمه الخاص الجميل، الذي صنعه من عبقريته وإنسانيته وكرمه في جمال وانسجام. 

 كنا مجموعة من الفتية والفتيات مابين العشرة والعشرين، يزيد عددنا باستمرار، فدائمًا ماكان يضم إلينا إخوة جدد. كان لكل منا قصة خاصة في التعرف على د.هابو، وكان لكل منا في قلبه مكانًا ومكانة. وعلى الرغم من اهتماماتنا المختلفة فقد جمعنا الالتفاف حول الأب الحاني الرؤوف، ففي كل ثلاثة أو أربعة شهور كان يجمعنا لنستمتع بمشاركته هوايةً من هواياته الراقية الجميلة؛ فمرة يصطحبنا في فلوكة على النيل، ليشاركنا المتعة بمياه النيل الفضية الرائقة، ويحدثنا عن ذكرياته وأفكاره واهتماماته، ويشاركنا بعض ماقرأناه أو لاحظناه أو شاهدناه؛ ومرة ثانية يدعونا إلى منزله لنشاهد فيلمًا سينمائيًّا من انتقائه ويناقشنا حول تحليل الفيلم وأفكاره؛ وتارة ثالثة يأخذنا في جولة بالسيارات إلى حيّي الزمالك والمهندسين؛ لنزور المعارض الفنية الراقية التي يرسمها فنانون محترفون أوصغار، ولابأس أن يدفع ماله دون تردد إذا سلبت لبه إحدى اللوحات أو استولت على قلبه! 

أمّا في رمضان فلنا لقاء خاص جدًّا، فموعدنا في الثلث الأخير من شهر رمضان، ليهنأ لنا الفطور على مائدة شهية من يد أمنا العزيزة د.هدى حجازي التي نكن لها كل محبة وتقدير، وبعدها يصطحبنا إلى أزقة القاهرة الفاطمية، إلى بيت السحيمي أو الهراوي لنستمع إلى سيرة أبوزيد الهلالي أو غيرها من أمسيات فنية يهواها ويعشقها ويستمتع بها. 

هذا هو عالمنا الجميل الخاص، وهذا ليس كل شيء فهناك صالون المسيري الفكري الذي كنا نرتاده في بيته ثم انتقل إلى جمعية مصر للثقافة والحوار، وهناك أيضًا الزيارات الخاصة له لمتابعة عمل أو الاطمئنان على الصحة. ولاينسى الأب الحاني أن يتصل بكل منا للاطمئنان علينا بين الفينة والأخرى، ولم يكن يبخل علينا من وقته أو اهتمامه ليشاركنا مناسباتنا الخاصة. 

ذلك هو المسيري الإنسان، الذي يأنس بالجلوس إليه كل من يلقاه، ولا يهاب ذلك المفكر العملاق الذي قضى عمره في مواجهة الصهيونية ودعم الانتفاضة، بل يشعر كل من يأنس به أنه أمام إنسان عظيم بسيط، يلبس البسيط ويأكل البسيط ويتحدث بما يفهمه الناس، وسرعان مايدخل د.هابو مع زائره في صداقة متميزة ولا يتوانى عن مشاركة صديقه أحزانه وانكساراته أو أفراحه وانتصاراته. 

إنه إنسان موهوب الإحساس، موهوب التفكير، ولاتقل جمال الموهبتين عن الأخرى، قادر على التواصل مع متحدثه مهما كان عمره واهتمامه وثقافته، ومع ذلك فهو ميّال إلى العزلة بحكم كونه مفكِّرا ! إنه من القلائل الموهوبين بالقدرة على الجمع بين المتناقضات ! هذا هو المسيري الإنسان الذي عرفته !



في منزل د. المسيري في مصر الجديدة في عيد ميلاده العام 2004
مع د. المسيري في فلوكة على النيل (إبريل 2005)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق