الأربعاء، فبراير 08، 2012

عزيزي الدكتور المسيري

كتب في 15 يوليو 2003

عزيزي الدكتور المسيري، 
كتبتَ هذه الرحلة من أجل الشباب، وفي كلماتي هذه ردّ الشباب إليك. نشكرك أن لم تبخل علينا بإدخالنا إلى عالمك الحافل. لقد كنتُ أثناء قراءتي للرحلة، أشعر أنّي أتجول في عالم رحب مليء، حدوده هي حدود جوانح هذه النفس التي سطّرت على الأوراق رحلتها. تضاءلت الدنيا من حولك يا أستاذنا، فعادت شيئًا صغيرًا هامشيًّا. وتمددت هذه النفس واتسعت لتصبح عالمًا بأسره، لم أكن أشعر أنّي أقرأ عن ناقد أدبيّ، أو عالم في الاجتماع، أو دارس للصهيونية. بل كنت أشعر أنّي أقرأ عن إنسان حدَس سرّ وجوده، ثمّ مضى ليدركه، ثمّ مضى يسعى يحقق هدف وجوده. 

تحدّثتَ عن الإنسان، وكيف تملؤه الصفات المتناقضة، التي لا ينفي أحدها الآخر. وإنّما تأتلف معًا في جدليّة لتصنع ذلك الكائن الفريد... الإنسان. حقًّا لقدأدركت بعد قراءتي للرحلة معنى أنّي إنسان، وكان هذا أوّل درس أستفيده. شعرت أنّ هذا الإدراك خطوة على سلّم الانتقال من البراءة إلى الخبرة، أو تطوّر من النزعة الجنينيّة إلى النزعة الربانيّة. 

إنّ الإدراك يجعل المرء سعيدًا ربما، ولكنّه يسبب الحزن أكثر. نعم، لقد أدركت أكثر معنى الآية الكريمة: "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً" نعم ثمّة شعورًا كان كامنًا فيّ بالحزن لا أعرف مصدره، ولكنّي كنت دائمًا أشعر بعبء إنسانيّتي على نفسي. تُرى يا د. المسيري، هل نستطيع أن نتسامح مع هؤلاء الذين يصيبهم الاكتئاب غير مفهوم السبب، أتُرى يكون سبب حزنهم هو إحساسهم بعبء إنسانيتهم عليهم!

لقد تعجبت أيّما عجب، لدوافعك تجاه الاهتمام بإشكالية ما. كنت أظنّ مثلاً أنّ الاختيار يعتمد على التمحيص والتدقيق أو اعتبارات أخرى عمليّة، لكنّي فوجئت أنّ الاهتمام بدأ بملاحظات عمليّة، وتأملات عقليّة حول هذا الملاحظات. أعجبني أيّما إعجاب تقديرك لتساؤلاتك، وجدارتها بالاهتمام والإجابة.

 الحقيقة يا د. المسيري كثيرًا ما كانت تصادفني أسئلة تؤرقني، وربما تنغص حياتي في كثير من الأحيان، ولكنّي كنت لا أتجاوب مع تلك التساؤلات حتّى أشرع في البحث عن إجابة لها. ثمّ إنّ الأقدار قد انتهت بي في كليّة الطب التي لم تشف غليلي، أو تنير قلبي... إنها لا تجيب على سؤال ممّا يتبادر لذهني. ولكنّي الآن اكتشفت أنّ رحلة مفكرنا الفذ د. المسيري، قد حازت فيها أسئلته الخاصّة حيّزًا كبيرًا؛ بل إنّ مقدمات بزوغ مشروعك الموسوعي الضخم "اليهود واليهودية والصهيونية"  كانت من هذا القبيل.  وربما يكون تقديرك لتساؤلاتك هذه من قبيل إدراكك لمعنى إنسانيتك، وأنّ دوافع الإنسان تجاه عملٍ ما  ليس من الضرورة أن تكون دوافع خارجيّة محسوسة (مال، درجة علميّة، شهرة) وإنّما من الممكن أن تكون داخليّة إنسانيّة، وبذلك تحمل عنصر روحي غير ملموس. أليس من المحتمل أن يكون أسلوبك هذا يا د. المسيري من ضمن العوامل المركبّة التي ساهمت في تحولك من ضيق الماديّة إلى رحابة الإيمان ؟!
دمت بخير
شابّة من الشباب الذين كتبت رحلتك من أجلهم
خديجة يوسف جعفر 











هناك 3 تعليقات:

  1. جميلة يا خديجة..
    وفيها هدوء مريح..تخيلتك تقرأينها وأسمعك :)

    ردحذف
  2. شكرا يا سارة على كلماتك. ولكن أعجب للهدوء كيف صدر عن نفس كانت قلقة جدا حين كتبتها :)

    ردحذف
  3. أ.د. مجدى يوسف9 فبراير 2012 في 11:42 ص

    ما كنت أتصور أنك ستكونى ضحية لألاعيب المسيرى التى تستغل تدين عامة المهمشين لتدفعهم لتعويض ما يفتدونه فى دنياهم بالانهماك فى الأخرويات . ألا تذكرين حوارنا حول المسيرى حين جلسنا فى الأتلييه بعد محاضرتى فى الجمعية الفلسفية ؟ وهل قرأت ردى على ما كان يطرحه الراحل المسيرى من أفكار فى أربعة فصول من كتابى : معارك نقدية ( 2007 ) ؟ أرجو أن تفعلى ذلك ، وإن كنت قد اطلعت على نقدى لأفكاره فلك أن تختلفى معى فيها كما شئت . ولكنى أربأ بك أن تكونى ضحية لما ينشره هذا الرجل من أفكار هى فى تقديرى من أهم أسباب تأخرنا ..

    ردحذف