الثلاثاء، فبراير 07، 2012

هموم شابة في مستهل الألفية الثالثة


كتب في 26 نوفمبر 2003

قصة عقل، قصة نفس، رحلتي الفكرية، ابن القرية والكتاب، سيرة حياتي... تلك أسماء بعض السير الذاتية التي اطلعت عليها من سير علمائنا ومفكرينا، والتي كنت أبحث فيها عن إجابة سؤال واحد فقط، وهو كيف كانت البيئة التي أفرزت هؤلاء العلماء والمفكرين؟ وهو ما أردت أن يكون شفاء لغليلي، وعلاجًا لنفسي الحيرى في الوسط الثقافي والفكري والسياسي المجدب الذي أشعر به يحيط كل جيلي في هذه السنوات العجاف في بداية الألفية الثالثة.
كنت أقرأ هذه السير لأخرج بالنتيجة التي امتثلت في ذهني من قبل. والتي مؤداها أنّ البيئة التي أفرزت هؤلاء كانت تضج بالحياة الثقافية والفكرية والسياسية، وكانت محضنًا متكاملاً (أو شبه متكامل) يصنع الإنسان المتوازن، ويحتفظ بمواهبه وقدراته وينميها لتخرج لنا في النهاية إبداعا للناس والمجتمع.
كانت الساحة السياسية مليئة بالتيارات المتنوعة التي تعبئ الشباب (على اختلافها) في سبيل قضية ورسالة، وكانت الخلفية الأيديولوجية لهذه التيارات تهيئ جوًّا ثقافيًّا يعمل على تكوين الشباب ويزيد من إدراكهم، وإلى جانب ذلك كانت الحياة الاجتماعية التي تستوعب الشباب نفسيًّا ومعنويًّا... كانت صحبةً ورسالةً وزخمًا ثقافيًّا وفكريًّا وسياسيًّا.
وتعال إلى جيلنا في مصر نستعرض المشكلة في عجالة: 


التعليم المدرسي والجامعي
نجد المدرسة تخلت عن وظيفتها في التعليم فضلاً عن التربية، وليس أدل على ذلك من اختفاء التعليم في المدارس وانتقاله خارج المؤسسة التعليمية في شكل دروس خصوصية وما شابه، بل ولم تعافَ من هذا الوبال بعض كلياتنا.
أما التعليم الجامعي فحدث ولا حرج، إن الجامعة لم تكن مجرد مركز لتلقين بعض المحاضرات في السابق، بل كانت بالإضافة لوظيفتها العلمية تؤدي دورًا سياسيًّا وثقافيًّا له تأثير في سائر المجتمع، وكان الشباب هم الطاقة المحركة للأمة في أزماتها. أما الآن فليس الذي يتخرج في الجامعة بأكثر من شهادة ووظيفة!! أين الحياة الجامعية؟ ذهبت في سراديب الظلام. ربما تغطي القراءة الذاتية جزءًا من هذه الأزمة، ولكن الكتاب وحده لا يصنع إنسانًا متكاملاً.
الشباب وأزمة تأخر النضج السياسي
كانت الأجيال السابقة لنا تنضج سياسيا بسرعة مقارنة بأجيالنا نحن هذه الأيام، ربما كانت ظروف نشأتهم في ظل الاستعمار وحركات التحرير الوطنية هو ما حتم عليهم هذا النضج السياسي، ولكن جيلنا أيضا هذه الأيام يشهد تحولات سياسية مهمة، فعلى مدار الثلاث سنوات السابقة لم تهدأ الساحة الدولية من الأحداث، وعالمنا العربي هو بؤرتها وهدفها ولنراجع الخط التاريخي: اندلاع الانتفاضة المباركة، ... أحداث 11 سبتمبر،... بداية ما يسمى الحرب على الإرهاب،...الحرب على أفغانستان ثم العراق. إنّ هذه الأحداث تستدعي أن تكون وقفات مهمة، وأرضًا تربوية خصبة وتفاعلية. 
إلا أننا نحن الشباب نعيش حالة من العزلة النفسية والشعورية عن هذه الأحداث، بل نعيش حالة طفولة سياسية وثقافية أو سمّها ما شئت. ترى ما السبب الجوهري؟ أهو الإعلام العربي الذي لا يمتلك نموذجا رساليا _وما الإعلام سوى الرسالة_ فيطالعنا بعدد من المسلسلات والأفلام والفيديو كليبات والأغاني التي لا تعالج مشاكلنا ولا تنتمي لأي ثقافة سوى ثقافة الجنس والجسد والاستهلاك والتفاهة !!! أم السبب في نظم حكمنا التي لا تتيح المشاركة السياسية لكافة قطاعات الشعب، أم السبب يا ترى يعود لتنشئتنا الأولى في مدارس لم تعلمنا سوى حروف الهجاء ؟!
الشباب والذيول الأيديولوجية
وكما سبق القول، كانت التيارات الأيديولوجية تضطلع بدور ثقافي وسياسي وفكري في تنشئة الشباب يغطي عجز المؤسسات التربوية الأخرى (المدرسة والجامعة والأسرة)، ولكننا الآن في القرن الحادي والعشرين نعيش فترة تقهقر هذه التيارات ولم يبق منها على الساحة سوى بعض ذيولها، وأصبحت تعاني من الإفلاس وتساقط الكوادر والتي لم تعد تنشئ أو تربي أو تصنع شبابا يؤمن بمبادئ، أو يحمل قضية. 
الشباب والعمل التطوعي 
ربما بدأت تبرز في الفترة الأخيرة فكرة العمل العام التطوعي ويتخذ جزء منه بعدًا سياسيًّا (مثل تفعيل فكرة المقاطعة، أو مناصرة الشعب الفلسطيني) وهنا أطرح تساؤلاً:
هل من الممكن أن يشكل العمل العام محضنًا بديلاً لتربية وتنشئة الشباب سياسيًّا وثقافيًّا في ظل هذه الظروف التي استعرضناها ؟ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق