الأحد، فبراير 12، 2012

قراءة في نشرات المرأة والحضارة


نشر في  4/9/ 2005 (مجلة الشهاب)


برزت قضية المرأة كإحدى القضايا المطروحة على الساحة الفكرية في أوائل القرن الماضي في إطار القضايا الناشئة إثر الصدمة الحضارية مع الغرب، و ظلت الأطروحات المختلفة بشأن قضايا المرأة تتبلور على مدار القرن في شكل مدارس فكرية نسوية مختلفة الاتجاهات، و لكن ظلت كلها تدور في فلك المنظومة الغربية المادية السائدة. 

وفي العقود الأخيرة من القرن الماضي نشأت العديد من الجهود الرامية إلى فك عرى التبعية بين الاجتهادات الفكرية في الداخل الإسلامي، و بين التحيزات الناجمة عن اتباع مبادئ و قواعد النظرية الاجتماعية المعاصرة النابعة من الإطار المعرفي الغرب. 

وفي إطار الجهود الرامية إلى تشكيل مبادئ نظام معرفي إسلامي، تنشأ في إطاره الاجتهادات الفكرية العامة للأمة، و كذلك الاجتهادات الفكرية الخاصة بقضايا المرأة أنشئت جمعية دراسات المرأة و الحضارة عام 1998 للعمل في إطار الهدف الأخير في القاهرة. و قد أثمرت جمعية دراسات المرأة و الحضارة ثلاث إصدارات لدورية ( المرأة و الحضارة ) صدرت في أعوام 2000/2001/2002 على التوالي، و يهدف هذا التقرير إلى التعريف بالدورية، من حيث المنظور و المنهج المعتمد في دراساتها، و أبرز القضايا و الملفات التي عالجتها، و مدى إسهامها في عملية التجديد الفكري الإسلامي بعامة. 

المنظور و المنهج

مدرسة المرأة و الحضارة مدرسة فكرية، تعتمد المنظور الحضاري في دراسات الاجتماع و العمران البشري، و تتخذ من المنظومة التوحيدية إطارا معرفيا لها. 

و الإطار المعرفي التوحيدي يعتمد كلاًّ من الوحي و الوجود مصدرين متكاملين للمعرفة، فالتوحيد في الرؤية الإسلامية ليس مجرد مبدأ عقدي أو صفة من صفات الخالق، و إنما له انعكاسات و دلالات معرفية شتى تتمثل في كونه دعامة النموذج المعرفي على المستوى العقدي و القيمي و الأخلاقي، و هو المقصد الأعظم الذي ينتظم كافة المقاصد و القيم الأخرى: التزكية و العمران و الحرية و المساواة و العدل. 

والتوحيد يتخلل أبعاد الظاهرة العمرانية و يربط فيما بينها؛ إذ هو الناظم الذي يصل بين عالمي الغيب و الشهادة ويتميز الإطار المعرفي التوحيدي بوجود أصل ثابت لا يتغير و هو القرآن الذي من شأنه أن يتيح منطلقا متعدد الأبعاد في التعامل مع الظواهر الاجتماعية يجمع بين أبعاد الغيب و الطبيعة و الإنسان، و يؤطر للتعامل مع تلك الظواهر ضمن ناموس التطور و الحراك المنضبط و المشدود إلى سنن ثابتة، و من شأن كل هذه الخصائص للإطار المعرفي التوحيدي أن تنعكس في تعامل أرشد و أنفع مع ظواهر العمران البشري عامة، التي تتقاطع معها و تدخل في لحمتها و سداها قضايا المرأة و الأسرة و النوع. 

وفي إطار سعي مدرسة المرأة و الحضارة إلى بناء حقل لدراسات المرأة في الداخل الإسلامي، تلتزم المدرسة منهجًا نقديًّا واعيًا في التعامل مع المعالجات التراثية و الغربية على حد سواء، فالمدرسة لا تقبل الانضواء تحت المدرسة النسوية الغربية ذات التوجه الفلسفي الوضعي و التي تتعامل مع المرأة باعتبارها المبدأ والمنتهى و الغاية و الوسيلة، و هو ما يفكك عرى الصلة العضوية بين المرأة و الجماعة . وعلى الجانب الآخر تقف المدرسة موقفًا نقديًّا تجاه الكتابات التراثية التي تؤصل لدونية المرأة و تهمش دورها و تنظر إليها ككيان تابع أو قاصر، ناقص الأهلية فاقد الذاتية. 

وعلى مستوى الآليات التحليلية، تعمد المدرسة إلى توظيف المنهجيات و المقتربات التي تأخذ بجدلية العلاقة بين الجزء و الكل، و التي تتناول قضايا المرأة ضمن سياقاتها الاجتماعية و الثقافية، سواء طُورت هذه المنهجيات من إطار العلوم التراثية أو من إطار العلوم الغربية. 

ندوة بنت الشاطئ : خطاب المرأة أم خطاب العصر مدارسة في جينولوجيا النخب الثقافية

ندوة ألقيت في مكتبة القاهرة الكبرى، و نشرت ورقتها الخلفية في العدد الأول من الدورية. ومفاد الندوة أن قراءة فكر بنت الشاطئ و سيرتها يعد مدخلاً لقراءة فكر النخب الثقافية المعاصرة لها، و يعد مناسبة لفتح ملفات العقل المسلم المعاصر و قراءة رحلة صراعه بين التحديث و المعاصرة و المواجهة مع الآخر الغربي من ناحية و بين الأصالة و التجديد و العودة للجذور الحضارية الإسلامية من ناحية أخرى. 

سيرة المرأة في التاريخ الإسلامي : مدخل لقراءة التاريخ الحضاري للأمة

و قد أفرد العدد الثاني كاملاً لتناول هذا الملف و هو جزء من مشروع أكبر، وهو مشروع إعادة تدوين تاريخ المرأة المسلمة، والذي يعد مدخلاً من المداخل التي تؤكد على الاندماج العضوي بين مشروع المرأة المسلمة و المشروع النهضوي العام للأمة؛ حيث يفتح البحث في تاريخ المرأة ملفًّا أكبر هو البحث في التاريخ الاجتماعي و الحضاري للأمة، في ظل المعرفية التوحيدية و رؤية التاريخ متعددة الأبعاد. و من ناحية أخرى فإن استقراء سيرة المرأة تسهم في عملية التأمل الذاتي النقدي و كشف و تأكيد الهوية الحضارية للأمة. و من ناحية ثالثة فإن مهمة تدوين تاريخ للمرأة المسلمة اقتضت تطوير و تحسين آليات و اقترابات بحثية جديدة، تسهم و لاشك في خدمة عملية البحث في العديد من قضايا الفكر المعاصر التي تحتاج إلى بحث وإجابات. 

المرأة في القرآن: الوحي مصدر للمعرفة

قضايا المرأة و الأسرة و النوع تعد إحدى القضايا المثارة على الساحة الفكرية، والتي تفرض نفسها على العقل المسلم، طالبة منه التفسير و الإجابة و الحل. والإطار المعرفي التوحيدي _ الذي تعمل المدرسة في إطاره _ يتجه إلى الوحي باعتباره مصدرًا للمعرفة، أي أنه يحمل بين آياته و معانيه و دلالاته، حلول و إجابات لأزمات كل عصر .لذلك فرفع إشكالية المرأة و النوع إلى القرآن الكريم و الافتقار إليه طلبا للهدى و الإرشاد، يعد مدخلاً و مثالاً، للاسترشاد بهذا الهدي في مختلف أزمات ومشاكل العصر. 

الأم و الأمة صنوان

صدر العدد الأول من الدورية عام 2000 حاملاً مقولة "الأم و الأمة صنوان ما بينهما وثاق يشد الأصل إلى الفرع و على منواله تنسج العمارة التي هي روح الحضارة" و قد اهتم العدد بالتعريف بالمنطلقات الفكرية و الأسس المنهاجية التي تعتمدها المدرسة، و إلقاء الضوء على موقف المدرسة من المدارس النسوية الغربية، كما يؤكد هذا العدد الافتتاحي أن السعي لبناء حقل لدراسات المرأة في الداخل الإسلامي هو سير في ركاب التجديد الفكري الإسلامي. 

سيرة المرأة في التاريخ الإسلامي

سيرة المرأة في التاريخ الإسلامي هو محور ملف الإصدار الثاني لدورية المرأة و الحضارة عام2001، و هو حلقة أولى ضمن حلقات متتالية في مشروع تدوين تاريخ المرأة المسلمة، الذي يقع في قلب المشروع الإصلاحي الهادف لتفعيل قيم الحق الشاملة و منها إنصاف المرأة المسلمة و إثبات حضورها الفاعل، و إسهامها المتجذر في بناء الأمة و حضارتها و علومها. و لما كان التاريخ المدون للمسلمين هو تاريخ نخبوي سياسي، فقد كانت صورة المرأة فيه باهتة و دورها مهمش، ما أدى إلى الاعتقاد السائد بضعف دور المرأة في المجتمع الإسلامي، و هو ما حدا بمدرسة المرأة و الحضارة إلى اختبار هذه المقولة الرائجة، و إيجاد طرح بديل. 

تتبنى مدرسة المرأة و الحضارة منظورًا حضاريًّا في قراءة التاريخ، فتاريخ الأمم هو تاريخ متعدد الأبعاد، منها السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والعمرانية، و يشترك في كتابته كلُّ فئات وطبقات المجتمع؛ و لذلك فقد اتجهت الباحثات إلى قراءة التاريخ الإسلامي في أبعاده غير السياسية، بحثًا عن المرأة فيه، وكانت النتيجة أن أسهمت هذه الرؤية الحضارية في ضرب المسلّمات القبلية القائلة بضعف فاعلية المرأة في المجتمع الإسلامي، و توصلت إلى كشف جديد حول واقع وموقع المرأة في التاريخ الإسلامي، و حقيقة أدوارها و مكانتها. 

اعتمدت الباحثات (السيرة) وحدة لتدوين تاريخ المرأة المسلمة، و اتجهن نحو المصادر الأصلية، في كتب الطبقات و التراجم، ليكتشفن فيها مادة ثرية و أرضًا خصبة لتدوين تاريخ مشرف وضيء للمرأة المسلمة. و كان اتجاه الباحثات نحو اعتبار المرأة / الفعل و الدور وحدة لتحليل السيرة الذاتية في مقابل المرأة / الشخص و الذات؛ حيث يؤكد الفعل على اندماج الذات في الأمة، و يؤكد على البعد المنهجي في الرؤية الحضارية للتاريخ، فالفرد ليس محور التاريخ و إنما له فيه موضع و دور. 

و على مستوى الآليات و الاقترابات في قراءة سير و تراجم النساء طورت الباحثات أثناء عملهن آليات جديدة أكثر ملاءمة للتعامل مع المعلومات المتناثرة حول النساء في المصادر الأولية و تسكينها في نسيج متكامل يكون تاريخًا مدونا للمرأة. واقتضت هذه الاقترابات إعادة قراءة و تحليل لكثير من المفاهيم التاريخية المستقرة حول المرأة مثل مفهوم السلطة و الطاعة، وطرح مفاهيم جديدة ذات أصول قرآنية مثل مفاهيم الولاية والمساواة والبيعة ونصرة الحق. 

و كما أزاح هذا الملف الستار عن التاريخ المشرق للمرأة المسلمة، و قدم قراءة جديدة له، فكذلك أسهم الملف في فهم و تفكيك المفاهيم و الأفكار الموروثة المنسوجة حول الدين التي تؤصل لاستضعاف المرأة و إبراز عناصر تكونها التاريخية و العرفية، و هو ما يعد بداية حقيقية للإنصاف و الإصلاح و التجديد. 

جاءت مقالات العدد في إطار المنظور و الأسس المنهاجية السالفة، و تحدثت عن نساء من فئات مختلفة، مثل النساء السياسيات و الفقيهات و المتصوفات وسيدات بيت النبوة والشاعرات، إضافة لنساء شكلن موضوعات أساسية للقصص والحكايات والأساطير العربية والتاريخية والشعبية.

و تلقي المقالات الضوء على أهمية دور المرأة وتأثيره السياسي والاجتماعي في حياة المسلمين والتغيرات التي طرأت على هذا الدور و أسبابها، و أهميتها في تشكيل هوية المرأة المسلمة، و هوية المجال الحضاري في مجمله منذ بدايات نشأته وحتى يومنا هذا. 

المرأة في القرآن

المرأة في القرآن هو محور ملف الإصدار الثالث لدورية المرأة و الحضارة عام 2002 الذي يأتي في إطار المحاولات الرامية إلى البحث عن منهاجية تجديدية و فاعلة لقراءة القرآن من منظور معرفي . و في إطار التعامل مع مصادر التنظير الإسلامي بعامة تفرق مدرسة المرأة و الحضارة تفريقًا أساسيًّا بين المصادر الأصلية (القرآن و السنة الصحيحة) والمشتقة ( كل أدبيات الفكر الإسلامي) و يعتبر هذا التفريق المنهاجي ملحًّا في الكثير من القضايا الفكرية، وهو أكثر إلحاحًا في قضايا المرأة، حيث امتلأت كتب التراث الإسلامي ( من فقه و تفسير ) بالأحكام و التفسيرات المتحيزة ضد المرأة و المؤصلة للرؤية الدونية لها، وهو ما يتناقض مع صريح القرآن المجيد. 

و تطرح مدرسة المرأة و الحضارة اقترابًا جديدًا للنص القرآني، باعتباره مصدرًا منشئا للرؤى المعرفية و الفكرية، و مصدرا للإجابة عن مختلف المسائل الإنسانية و الاجتماعية، على غرار ما اقترب منه الفقهاء من قبل باعتباره مصدرًا منشئًا للأحكام و مصدرًا للإجابة على مختلف المسائل الفقهية. 

هذا الاقتراب الجديد يتيح للباحث الاجتماعي البحث في المسألة الاجتماعية محل النظر و تحليلها و تفسيرها و قراءتها في مختلف جوانبها السياسية والاجتماعية  الفكرية، وإدراك آثارها الواقعية ومآلاتها، و هذه قراءة الوجود ثم العروج بالإشكالية الاجتماعية على القرآن المجيد افتقارا للإجابة و الحل و هذه قراءة الوحي. 

جاءت مقالات الملف في ثلاث محاور أساسية هي: المفاهيم و القصص القرآني و المنهج، عنيت الطائفة الأولى من المقالات بقضية المفاهيم، وساهمت في عملية مراجعة الكثير من المفاهيم السائدة في حقل الدراسات النسوية، و بناء مفاهيم جديدة نابعة من الهدي القرآني، مثل مفهوم( الزوجية) كمقابل قرآني لمفهوم (النوع). 

اتجهت الطائفة الثانية من المقالات إلى استكشاف الدلالات المعرفية للقصص القرآني الذي تناول نماذج لنساء تعددت أدوارهن و مكانتهن، كقصة ملكة سبأ و قصة مريم بنت عمران و قصة الخلق. وساهمت هذه الطائفة في إعادة صياغة الدور الإنساني للمرأة استرشادًا بالهدي القرآني، كما ساهمت في إعادة مراجعة كثير من المفاهيم التي تلصقها الثقافة الشعبية بالمرأة. 

أما الطائفة الثالثة من المقالات فقد انتقلت من الموضوع إلى المنهج، و سلطت الضوء على بعض الأسباب التاريخية التي أدت إلى تثبيت بعض أحكام فقهية مجحفة للنساء، وكيفية نقدها وتجاوزها. 

و في النهاية فقد أسفرت نتائج أبحاث الملف رؤى و تصورات في قضايا المرأة و الأسرة و النوع، أكثر عدلاً و إنصافًا و إنسانية من رؤى الفقهاء و المفسرين و الحداثيين على حد سواء. 

تقرير حالة المرأة المسلمة في العالم

تحرص الدورية في تناولها لقضايا المرأة على الجمع بين الأبعاد النظرية و المنهجية من جانب و الأبعاد العملية و الحركية من جانب آخر، و في إطار هذا التوجه اهتمت الدورية بدراسة واقع النساء الراهن، و تقديم تقارير حول التطورات الدينامية التي يشهدها الواقع، سواء في إطار رؤية عامة شاملة أو بالتركيز على منطقة أو جانب بعينه. 

اهتم العدد الأول برصد واقع المرأة عام 1999، و الذي يكتسب أهمية خاصة باعتباره عاما يختم قرنا شهد أوله بداية حركة نضال المرأة، و بذلك يكون تغطية أحداث العام الأخير منه بمثابة كشف حساب ختامي لواقع المرأة، للوقوف على أبعاد كيفية تغير هذا الواقع و الجوانب التي لا تزال بحاجة إلى تغيير. 

أما تقرير العدد الثاني فقد اهتم برصد حالة فريدة للضغط و الاضطهاد الذي لا تزال تعانيه نساء في عالمنا الإسلامي في مطلع الألفية الثالثة و هي حالة النساء الأفغانيات. وقدم العدد الثالث تقريرًا حول الشهيدات الفلسطينيات اللائي أحدثن طفرة جديدة في تاريخ النضال الفلسطيني. 

مراجعة الأدبيات المعاصرة

أُفرد باب مستقل في كل دورية عُني بتقديم مراجعات و عروض نقدية للأدبيات العربية المعاصرة، في قضايا المرأة و التي تمثل التيارات الفكرية المختلفة على الساحة العربية، ويهدف الباب إلى التعرف على مدى إسهام هذه الأدبيات في دفع و تطوير الحراك الثقافي العام. 





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق