الجمعة، مارس 30، 2012

لمن لا يعرف الشيخ الشهيد

كتب في 16 ديسمبر 2011




عرفت الشهيد  الشيخ عماد عفت  حين بدأت التردد على الجامع الأزهر لطلب العلم  في صيف عام 2003، وقرأت عليه أجزاء من القرآن الكريم، وحضرت له باب المواريث من حاشية البيجوري في الفقه الشافعي.

كان الشيخ عماد متملكا لناصية اللغة العربية ، واشتهر بتدريس (مغتي اللبيب لابن هشام) كما كان متضلعا في علم الفقه، ويدرس فيه حواشي البيجوري .
وحين حضرت له دروس فقه المواريث في ربيع عام 2009، وجدته متملكا لدقائقها وأسرارها. 

ولقد درّس الشيخ الشهيد حاشية البيجوري في سبع سنين !! لم يمل خلالها ولم يكل ولم ينقطع عن درسيه اللذين التزم بهما يومان في الأسبوع إلا لضرورة قصوى، يفعل هذا متطوعا باذلا من علمه ووقته دون نظر إلى مال أو جاه. وقد اختار الشيخ الشهيد ختم تدريس شرح البيجوري عند ضريح الإمام الشافعي سيرًا على تقاليد علماء الأزهر الشريف طلبًا للبركة، وتخرج طلابه عند الإمام الشافعي.
وللشيخ عماد عفت باع طويل في القراءات، حيث كان متمكنا فيها جميعا، وكان يُقرئ الطلاب القرآن محتسبًا دون أجر. 

كان رواق الأتراك لا يتسع لطلابه الذين يتوافدون عليه لعلمه وأخلاقه والتزامه الطوعي. وأغلب طلابه هم من الطلاب المبتعثين إلى الأزهر  من جنوب شرق آسيا وأفريقيا، وقد تخرج كثير منهم على يديه  في اللغة العربية والفقه والقراءات .  ونذكر من تلاميذه المخلصين: نجاح نادي خريجة الأزهر، وفاطمة السيد، طالبة اللغة العربية في الآداب وحلمة أحمد الطالبة الأندونيسية الدارسة في الأزهر؛  وحلمة من الطلاب القلائل الذين حضروا السنين السبع في شرح البيجوري. 

كان الشيخ الشهيد قريبا إلى تلاميذه محبا لهم حريصا عليهم، يسعهم بروحه وأخلاقه وسماحته وكرمه الجم. 
لقد عرفه كل من ارتاد الأزهر بسمو روحه وسعة أخلاقه وزهده. وهو من القلائل الذين لا تجري على ألسنتهم كلمة سوء، وإذا ارتدت مجلسه فلن تسمع إلا ذكرا لله أو علما أو أمرا بفضيلة. 

لم يكن الشيخ الشهيد من هؤلاء العلماء الذين يملؤون الدنيا صخبًا وضجيجًا بالحديث عن التجديد والإصلاح والنهضة، بل كان من العلماء الربانيين  العاملين في صمت وسكون. 

رحمك الله أيها الشيخ الشهيد وأسكنك فسيح جناتك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. 

لقد كنت في دنيانا ملاكا طاهرا فطمحت روحك للحاق بالملائكة في جنات الخلد. 

إنا لفراقك لمحزونون...
إنا لفراقك لمحزونون...
إنا لفراقك لمحزونون...



الأربعاء، مارس 28، 2012

أقرب من حبل الوريد

كتب في 11 إبريل 2011

هذه قصة شابٍ وفتاة، تعارفا وتزاملا وتصادقا...

كلاهما كان يقدر الآخر ويثق به، لكنّ أحدًا منهما لم يدرك أنّه قرين الآخر... فانطلقا يبحثان عن شيءٍ هو أقرب إليهما من حبل الوريد.. فتحيّرا وضلاّ السبيل...

وفي لحظة إلهام فطنت الفتاة إلى الحقيقة، وقالت: 

مثلي مثلك... كلانا يفتش في أنحاء الأرض عن جوهر يدعى الحب... يمّمت وجهك شرقًا ويممتُه غربًا... تدابرنا فما التقينا...كلانا يطير إلى الآخر كل حين... يحط على عشه فيبثه خوالج وشجون... ويتركه حينًا وحينًا ثمّ حينًا ثمّ يعود؛ ليعيد تلاوة القصة من جديد، حيث لا جديد... أنت أنت وأنا أنا... ما تغيّر هو مرّ السنون... ما زالت سنين قليلة لم تترك على المحيّى أثرا... لكنّ النّفس ثقلت بأحلامها وآلامها واشتياقها وإدبارها... 

يا لهفي على نفسي... خفق فؤادها فلجمه عقلها... أن كُفّ أيّها الصابي ! فبريق الجواهر يغشي المبصرين أحيانا، وأحيانا يسلب نور العين، فهل يبصر الكفيف ؟ ثمّ هل يهتدي إلى السبيل؟ 

قريبٌ إليك ما ابتغيت... بل هو أقرب من حبل الوريد، لكن كيف ندرك ما هو قريب ؟ والنّفس تغفل عن إدراك ما دقّ أو قَرُب، ولعلّ العلّتان اجتمعتا في الجوهرة الفريدة، فلم تبصرها يا مسافر ولم تدركها؟ 

فلتنأ قليلاً... أو فلتتأخر هي كثيرًا ... فربما يستطيل نظر عينيك، فترى من بعيدٍ الوهج، فتفتن أو تُسحر أو يُسلب لبُّك... 
فتدرك ثمّ تقبلُ ثمّ تعشق... 
ثمّ تطوي يا مسافر صفحة الزمن... 
ثمّ تعفو هي عن اللمم... 
وتثني عزمك عن السير شرقا... 
وتلتقيان فتتعانقان ثمّ تحلقان...في غفلةٍ عن الزمان والمكان...

أتلانتا-جورجيا
*كتب هذا النص بعد تجربة حب من طرف واحد. 



الثلاثاء، مارس 27، 2012

لحظة كشف


كتب في 2 إبريل 2011

حين انكشف الستر وبانت الحقيقة، اطمأنّ القلب وغشيت النفسُ السكينة، وهدأت أشواق الروح...
 قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا...

الأحد، مارس 25، 2012

نفس واحدة

كتب في 28 ديسمبر 2010



وردة تضمُ أوراقَها على أوراقِها
تضِنُّ بعطرِها على منْ لا يمرُّ إلاَّ لِماما
في طرَف الحديقة نمَتْ ونأتْ
عطرُها فواحٌ ولكنَّه كُتِم
حُفظِتْ لِذي الرُّوحِ المتعاليةِ والبصيرةِ النّافذة
حتّى إذا اكتشفَها كشَفَها
ففاحَت بعطرِها
طبعَها على اللُّمَى[1]
إلى روحِه وقلبِه وصدرِه ضمَّها
ودخَلها فمازجَها
الآن فُضَّتْ والآنَ فقطْ
فما غدَتْ من بعدِ ما لامسَها عذْراء
تلاحمَ الجسدانِ والتقى الرُّوحان
فعَادا كَما البَدءْ: نفسٌ واحدة



[1]  اللُّمى واللَّمى في العربية هي الشفاه الداكنة، وهي صفة من الصفات التي يوصف بها جمال المرأة لدى العرب القدماء.

*كتب هذا النص في تجربة حب من طرف واحد.





الجمعة، مارس 23، 2012

محمد أركون: مرور عابر


كتب في 11 يوليو 2010


أشكر الجمعية الفلسفية المصرية أن أتاحت لي فرصة التعرف إلى أركون قبيل الندوة التي عقدتها تأبينًا له في 7 نوفمبر 2010، كما حفزتني إلى قراءة بعض أعماله، والانفتاح _لأول مرة_ على فكره. وكما هو شائع فما أسمعه هو أن أركون ضمن طائفة الحداثيين العلمانيين الذين لا يريدون إلا تفكيك التراث الإسلامي، ثم الانقضاض على مصادره التأسيسية. ولكني لم أجد مصداق ذلك فيما قرأت. 

رؤية أركون للمصادر التأسيسية: طرح مقارن

يرى محمد أركون في القرآن مصدرًا تأسيسيا أولاً للإسلام، ويرى في السنة النبوية المشرفة مصدرًا تأسيسيًّا ثانيًا. ففي العلاقة بين القرآن والتفاسير الموروثة، يرى أركون أنها ليست إلا دلالات معينة من جملة دلالات أخرى متضمنة احتمالاً في الوحي ( الفكر الإسلامي: نقد واجتهاد 83).  ووجود الدلالات الجديدة هذه ممكنٌ بسبب احتواء القرآن على المجاز والرمز الذي أصبح له معنى جديد في فلسفة اللغة الحديثة.

وهذه الفكرة وُجدت حديثًا عند مفكرين آخرين، مثل أبو القاسم حاج حمد في كتابه العالمية الإسلامية الثانية، والذي قال بمكنونية القرآن الكريم، وأنه يتكشف عبر العصور. وتابعه في ذلك طه العلواني (الذي تكون تقليديا) والذي ينادي بضرورة تدبر القرآن وتفسير القرآن بالقرآن، بناءً على أنّ معاني القرآن تتكشف عبر العصور. الفرق، أن أركون يستخدم مصطلحات فنية من حقول الاستشراق وعلوم الإنسان والمجتمع؛ لأن خطابه موجه في الأساس إلى قارئي الفرنسية، ممن يهمهم شؤون المتوسط وآسيا.
ووجود دلالات جديدة في الوحي مختلفة عن الدلالات الدوجمائية المحددة بالإطار اللاهوتي، وجدت مصداقها عند عالم آخر هو الشيخ محمد عبد الله دراز الذي استطاع استنتاج نظرية أخلاقية من القرآن، عن طريق قراءة القرآن قراءة أخلاقية نظرية.

وأمّا مسألة التاريخية فيرى أركون أن هناك عناصر تاريخية أثرت في تدوين القرآن في عهد الخليفة عثمان، الملتهب سياسيا، والتي انتقل فيها القرآن من مرحلة الخطاب الشفوي إلى مرحلة المدونة النصية الرسمية المغلقة كما يقول. هذه الظروف في رأيه يجب أن تمحص بالنقد التاريخي. ويذكر على ذلك آية الكلالة مثالاً (وإن كان رجل يورث كلالة...). 

أمّا موقفه من الحديث، فيرى أركون ضرورة المراجعات الشاملة التي سوف تنعكس على أصول الدين وفروع الدين. لا أدري ما الضير في هذا الموقف؟ لقد توصل الشخ دراز في بحثه عن مصادر الإلزام الخلقي إلى أن الحديث النبوي يبين نماذج تطبيق القرآن، وأن جميع الأوامر النهائية لا تفرض تكليفًا نهائيا إلا إذا اشتملت على صفة الوحي. وهذا الرأي يبحث في منطقة أخطر من التي يدعو إليها أركون _ وهي المراجعة_ حيث يبحث في مسلمات علم أصول الفقه، وهي تراتبية الأدلة.


بيبليوجرافية محمد أركون

الإنسية العربية في القرن الرابع الهجري
كتبه بالفرنسية، 1970. 

الفكر العربي
ترجمة: عادل العوا. بيروت و باريس: دار منشورات عويدات، الطبعة الثالثة. 1985. (ر. ع.)
الطبعة الأولى بالعربية 1979.

الإسلام: أصالة وممارسة

تاريخية الفكر العربي الإسلامي



نشر بالفرنسية تحت عنوان: نقد العقل الإسلامي. باريس: دار ميزن نيف أي لاروز، 1984.
بيروت: مركز الإنماء القومي، 1986.

الفكر الإسلامي: قراءة علمية
بيروت: مركز الإنماء القومي، 1987.

الإسلام: الأخلاق والسياسة


الطبعة الأولى بالفرنسية: باريس: اليونسكو، 1986.  الطبعة الأولى بالعربية: بيروت: اليونسكو و مركز الإنماء القومي، 1990. ترجمة: هاشم صالح.

الفكر الإسلامي: نقد واجتهاد



ترجمة وتعليق: هاشم صالح. لندن وبيروت: دار الساقي، 1990. نشر بالفرنسية بعنوان: ( آفاق مشرعة على الإسلام) باريس: جاك غرانشيه، 1989.

العلمنة والدين: الإسلام، المسيحية، الغرب

ترجمة: هاشم صالح. بيروت: دار الساقي، الطبعة الأولى، 1990،  الطبعة الثانية، 1993. بحوث اجتماعية 4 

من الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي

ترجمة: هاشم صالح. بيروت: دار الساقي، 1991. بحوث اجتماعية 11

من فيصل التفرقة إلى فصل المقال: أين هو الفكر الإسلامي المعاصر؟
ترجمة وتعليق: هاشم صالح. بيروت: دار الساقي، 1993

الإسلام أوروبا الغرب، رهانات المعنى وإرادات الهيمنة
ترجمة وإسهام: هاشم صالح. بيروت: دار الساقي، 1995

نزعة الأنسنة في الفكر العربي
بيروت: دار الساقي، 1990.

قضايا في نقد العقل الديني. كيف نفهم الإسلام اليوم؟
بيروت: دار الطلائع، 1998.

الفكر الأصولي واستحالة التأصيل: نحو تاريخ آخر للفكر الإسلامي
ترجمة وتعليق: هاشم صالح. بيروت: دار الساقي، 1999.

معارك من أجل الأنسنة في السياقات الإسلامية
2001

الأنسنة والإسلام: معارك فكرية وطروحات

من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني
2001

أين هو الفكر الإسلامي المعاصر؟

القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني

تاريخ الجماعات السرية
مفهوم الوحي: من أهل الكتاب إلى مجتمعات الكتاب

قراءات في القرآن
كتبه بالإنجليزية ومنشور في مجلة ألمانية. بريل 1988.

الأنسنة والإسلام: مدخل تاريخي نقدي
بيروت:دار الطليعة، 2010

نحو نقد العقل الإسلامي
بيروت: دار الطليعة، 2010 تأليف مشارك

الاستشراق بين دعاته ومعارضيه
ترجمة وإعداد: هاشم صالح. بيروت: دار الساقي، 1994.

الإسلام: الأمس والغد
نشر بالفرنسية 1987. باريس: منشورات بوشيه شاستيل.
تحدث فيه عن مفهوم الحداثة
ترجمة: علي المقلد. بيروت: دار التنوير،1983.

الخميس، مارس 22، 2012

غناء شرقي أمريكي

كتب في 10 يونيو 2010

لم أدرك لوقت طويل من الزمن، ما للموسيقى من أثر سحري في الروح والنفس، أحب _مثل كثير من الناس_ الاستماع بين حين وآخر لمعزوفات ومقطوعات وأغنيات من هنا وهناك، ومنذ عدة أعوام أتاحت ساقية الصاوي في القاهرة، حفلا شهريًّا لعازف العود الرائع نصير شمة، والموسيقار عمر خيرت، والمغني الكبير علي الحجار، فحضرت كثيرًا منها، وطربت طربًا كبيرًا لنصير والحجار. 

و في 17 يوليو 2010 كنت على (موعد مفاجأة)، مع فرقة فنون الشرق الأوسط، القادمة من جامعة كاليفورنيا سانتا باربرا، من الولايات المتحدة الأمريكية. قدمت هذه الفرقة عروضها على المسرح المكشوف في دار الأوبرا المصرية، ذهبت لأحضر الحفلة بصحبة نفسي فقط ! جلست في الصفوف الخلفية، لازدحام الأمامية بالكثير من الأسر المصرية التي جاءت تحضر بصحبة أطفالها، فضلاً عن شباب وفتيات الجامعات. 


بدأت العروض بطرب لأم كلثوم ( قبل ما تشوفك عيني)، غنتها مغنية أمريكية !! ترتدي ثوبًا شرقيًّا أصيلاً. لا تستغرب إذا قلتُ لك  إنّ هذه هي المرة الأولى التي سمعت فيها هذه الأغنية لأم كلثوم !! وياللعجب إذا كنت قد سمعتها للمرة الأولى بصوت أمريكي يحاول جاهدًا تقليد صوت عربي أصيل غير تقليدي. أنصتُّ لصوت الأمريكية، وبدأت في الابتسام شيئًا فشيئًا، فقد أدركت بعد برهة ما بذلت هذه الأمريكية من جهد جهيد، ووقت طويل للتدريب، بدءًا من التدرب على مخارج الحروف العربية البادئة من الحلق والمنتهية بالشفتين، وحتى الأداء الغنائي غير العادي لأم كلثوم، مرورًا _بالطبع_ بتعلم مبادئ العربية، وحفظ كلمات الغناء العربي. بالطبع لم تكن جميع الحروف صحيحة، ولم يكن الأداء عالي الجودى، ولكن لم يمنع هذا أيَّا من الحاضرين من الطرب قليلاً أو كثيرًا. وهذه ليست هي الأغنية الوحيدة لأم كلثوم، فقد أدّت مغنية أخرى _ أمريكية كذلك_ أغنية (أنا في انتظارك) وقد تناهى صوت الثانية إلى أذني كما الأولى تقريبًا. 

الحقيقة لقد خضت خبرتين في آنٍ واحد، خبرة سماع أغاني مصرية أصيلة لأول مرة، وخبرة سماعها لأول مرة بأداء أمريكي !! كانت أول مرة أسمع أربع أغنيات لسيد درويش: (الحلوة دي قامت تعجن في البدرية) و (زوروني كل سنة مرة) و (طلعت من بيت أبوها)، (طلعت يا محلا نورها شمس الشموسة). 
وكانت أول مرة أتعرف بمحمد عبد المطلب، الذي غنوا له أغنية  (مين عذبك بتخلصه فيه)، وكذلك محمد الكحلاوي، الذي غنوا له أغنيتين: (لجل النبي، يارب توبة) وفريد الأطرش ( ما قالي وقلتله)، وفايزة أحمد ( والنبي يامة، غلطان يامّة) و(ماما زمانها جاية)، و سيد مكاوي ( الله الذي لا إله إلا هو)، وفيروز (سألوني الناس) وختمت الأغاني بأغنية ( زي الهوا) لعبد الحليم حافظ. 


و ما بين كل أغنية وأخرى، تُؤدّى رقصة من بلاد شرقية مختلفة، أدّتها سبع راقصات أمريكيات، تتفاوت أصولهن ، فراقصة من شرق آسيا، وأخرى شقراء ربما من البلاد الروسية، وثالثة تكادت قترب أصولها من العربية، وكلهن في العشرينيات من العمر، فيما عدا واحدة تخطو نحو الخمسين، اتضح فيما بعد أنّها مدربتهن. 
الرقصة الأولى هي الدبكة اللبنانية، والثانية كانت رقصة من أرمينيا، والثالثة هي الرقصة الصعيدية، و الرابعة هي الرقصة الخليجية، والخامسة هي الرقصة الفارسية. شاهدت هذه الأداءات من قبل، ولكن الأرميني والفارسي كانا جديدين عليّ تمامًا، وهما رقصتان رقيقتين جدًّا، جميع الحركات فيها بالأيدي والأرجل والإيماءات، لا يوجد فيها أي خدش للحياء، بل على العكس تشعرك بالسمو والرقي، وكأنك انتقلت فجأة إلى عالم الجواري والقيان ! 

انتهى الحفل بتصفيق كبير للأوركسترا الأمريكية الشرقية، بعد أن أدّى المايسترو عزف الناي الصعيدي الشادي، صفق الجميع لهؤلاء الأمريكيين الذين جاؤوا إلينا يقدمون لنا فنوننا الغنائية الحديثة التي لم يزد عمر بعض أغانيها عن أربعين عامًا. وظلّت علامات التساؤل تتراقص أمام عينيّ، بحثًا عن إجابة، تفسر لي لماذا يدرس الأمريكيون الشرق الأوسط في كل شيء ؟ حتى أغاني سيد درويش، والرقص الأرميني ؟ بل ويستثمرون فيه من الموارد، ويخرجون من المتخصصين، ما يجعلهم ينافسوننا في أصالتنا، ويتحدون كل الصعوبات، ويقتحمون كل العقبات، لإنشاء أقسام تدرس حتّى فنون الشرق الأوسط ؟! ربما استطعت إقناع نفسي بعد تفكير أنّ أمريكا تريد أن تجمع الدنيا كلها على أرضها، لتغدو أمريكا العالم كله، ولتعمل جامعاتها على أن تكون بؤر بحثية تفهم كل شيء عن أي شيء في العالم، ماضيه وحاضره ومستقبله !  وهل سيكون ذلك في سبيل قيمة المعرفة، أم قوة السياسة، أم شيء ثالث، سؤال آخر يحتاج إلى تفكير وبحث !

الثلاثاء، مارس 20، 2012

أول مرّة


كتب في 19 سبتمبر 2010

عندما التقته أول مرة، شعرت أنّها في حضرة رجل حياتها...
رجت أن تكون امرأة حياته، ولكنّه تردّد... وفكّر يمنةً ويسرة، ثمّ أرجأ القرار... فأخذتها أمواج الرياح وتقاذفتها في خضمّ الحياة...
حينما كنتُ مع آخر... كنتُ معه ظاهرًا ...وكنتَ أنت تسكن باطن روحي وأنفاسي، تناسيتك ووضعتك في غرفة مغلقة في باطن تلك الروح حتّى أنساك، فلم أعد لك ولم تعد لي...وحين أطلقتني الرياح مرّة أخرى، كنت أنت مع أخرى ثمّ أخرى ثمّ أخرى، وأرسيتَ قاربك عند من أبحر القارب باتجاهها... وحين رسا، عدتَ فأبحرت من جديد ... وظللتَ تبحر وتبحر وتبحر...
(كتب هذا النص في تجربة حب من طرف واحد) 

الاثنين، مارس 19، 2012

مفهوم الصحة المتكاملة عند د. زهيرة عابدين

كتب في 3 أغسطس 2008
نش سابقًا في أون إسلام

ارتبط اسم "أم الأطباء المصريّين: زهيرة عابدين" بمرض روماتيزم القلب في الأوساط الطبيّة والاجتماعيّة، المحليّة والعالميّة، حيث تمثّل أم الأطباء منعطفًا محوريًّا هامًّا في تاريخ مرض روماتيزم القلب في مصر؛ ليس فقط  لنجاحها في محاربة الوباء وخفض نسبته إلى 4% فقط بعد عشرين عامًا من العمل المتواصل، وإنما لتطبيقها مفهوم "الصحة الشاملة" في أسلوب علاجه ومكافحته، وقد شهدت الأوساط الطبية العالمية والمحلية على نجاحها في  مكافحة المرض في  وسط اجتماعي وبيئي تندر فيه الموارد، وتعجز فيه  الجهات الرسميّة عن التكفل بمسئولية صحة الفرد والمجتمع. 

ويجدر التعرض في هذه المقدمة لشيء من تاريخ المرض محليًّا وعالميًّا؛ للوقوف على التغير في منحنى الإصابة به، ففي الحقبة الأولى من القرن العشرين تصَدَّر مرض روماتيزم القلب قائمة أمراض الطفولة الهامة عالميًّا، ومع حلول منتصف القرن تغيرت صورة المرض في أوروبا والولايات المتحدة، حيث انخفضت نسبة الإصابة بروماتيزم القلب إلى أقل من الربع،  وانخفضت نسبة الوفيات من روماتيزم القلب إلى أقل من 1/20 حسب إحصائيات عام 1961م.( )

وفي نفس الزمان الذي نجحت فيه  تلك البلاد في محاربة المرض والقضاء عليه قضاءً مبرمًا، كان المرض مايزال وباءً منتشرًا في مصر، حيث كشفت البحوث الإحصائيّة التي أجرتها د.زهيرة عابدين في نهاية الخمسينيات الحجم الحقيقي للمشكلة في مصر، حيث تبين أن مرض روماتيزم القلب هو أكثر الأمراض المزمنة انتشارًا في الأطفال فوق الخامسة، كما أنه السبب الأول للوفاة بين الأمراض المزمنة في الأطفال بين الخامسة والخامسة عشرة، و تقدر عدد الحالات الحادة سنويًا في القاهرة وحدها بحوالي خمسة آلاف حالة مقابل مائة حالة في شمال أوروبا كلها. أما نسبة الحالات المتقدمة وحالات هبوط القلب فقد فاقت أربعة أضعاف مثيلاتها من الحالات التي قامت د.زهيرة بدراستها بمعهد تابلو للروماتيزم بانجلترا. ( ) 

تلك كانت حقيقة المرض في المجتمع المصري في نهاية الخمسينيّات كما درستها د.زهيرة عابدين، وكما تحدتها في صورتها القاتمة المظلمة، وأمام هذا التحدي الكبير كانت د.زهيرة تملك من العدة العلمية والبحثية والاجتماعية بالإضافة للمواهب الإدارية و الشخصية والنفسية ما أهلها لقبول هذا التحدي والتغلب عليه بجدارة وقوة. 

السياق الاجتماعي لمرض روماتيزم القلب

يعد مرض روماتيزم القلب من الأمراض التي يمكن تفسير حدوثها بمُرَكَّبٍ من الأسباب البيولوجية والوراثية والاجتماعية، بحيث لا يمكن حدوث المرض إذا انفرد أحد هذه الأسباب دون الآخر. فإذا أصيب طفل ذواستعداد وراثي بعدوى ميكروب سبحي خاص يدعى (streptococcus viridans ) فإن هذين السبيين لا يؤديان بالضرورة إلى الإصابة بمرض روماتيزم القلب بل لابد من توفر سبب ثالث، وهو الوسط الاجتماعي الذي يهيِّء البيئة المناسبة لنشاط الميكروب السبحي في جسم الطفل، لتتضافر الأسباب الثلاثة وتتشابك وتؤدي مجتمعة للإصابة بمرض روماتيزم القلب.

ويمكن وصف البيئة التي تهيء للميكروب السبحي الاستيطان والانتشار، بأنها بيئة ذات بيوت متلاصقة، رديئة التهوية، مكتظة بساكنين لا يملكون الحد الأدنى للمعيشة بالإضافة لانخفاض المستوى الثقافي ومستوى الوعي الصحي، ففي بحث أُجري في أواخر الخمسينيات بلغ متوسط ما يخص الفرد في أكثر من 60% من الحالات المترددة على عيادة مستشفى أبو الريش أقل من خمسة قروش يوميًّا، كما تبين أن أكثر من نصف الحالات تعيش بمعدل خمسة إلى سبعة أفراد في الحجرة الواحدة. ( )

أم الأطباء ومرض روماتيزم القلب
بدايات الاهتمام

تخرجت د.زهيرة عابدين في كلية الطب العام 1943م، وأثناء عملها كطبيب امتياز في  مستشفى أبو الريش الجامعي، لاحظت انتشار مرض روماتيزم القلب بين الأطفال، فدفعها ذلك لاختيار هذا الاختصاص، تقول:"وحينئذ بيَّتُ العزم على أن أعمل شيئًا، وتوجهت إلى الله سائلة إياه العون والتوفيق"( ).

وفي العام 1945 عادت د.زهيرة عابدين من انجلترا برفقة أسرتها حاملةً درجة عضوية الكلية الملكية البريطانية، لتُعين كمدرسٍ مساعدٍ في مستشفى أبو الريش، حيث لاحظت استمرار تضخم مشكلة انتشار مرض روماتيزم القلب، وحين أتيحت للدكتورة زهيرة  فرصة السفر لانجلترا ثانيةً، التحقت بمعهد تابلو للروماتيزم لدراسة أمراض القلب في الأطفال، حيث كرست جهدها لهذا المرض، ودرسته على المستوى البحثي والإكلينيكي والاجتماعي،  واطّلعت د.زهيرة على خطط مكافحة المرض و القضاء عليه في انجلترا وغيرها من الدول الأوروبية، حتى اكتملت لديها "خطة عمل" آلت على نفسها الالتزام بها حين عودتها لوطنها.

عادت د.زهيرة عابدين إلى أرض الوطن أواخر عام 1956م، تفكر كيف تساعد هؤلاء الأطفال وكيف تنجو بهم من الموت وتعطيهم الحق في حياة صحية كريمة، وبدأت زهيرة عابدين تخطو أول خطوة في وضع معارفها العلمية و البحثية التي تلقتها وخَبِرَتها موضع التنفيذ، وقد أعانها على ذلك ما امتازت به من تكوين نفسي وروحي متين، وشخصيَّة قوية صلبة، ودافعيَّة للعمل والإنجاز والجهاد المتواصل؛ هيأها لتحمل رسالة النهوض بفئة هي أضعف فئات المجتمع وهي ثروته المستقبلية في نفس الوقت.

وحدة روماتيزم القلب في مستشفى أبو الريش

بدأت د.زهيرة أول خطوة في هذا السبيل بإنشاء عيادة خاصة بمرض روماتيزم القلب، تَكون فريق العمل فيها من د.زهيرة وطبيب امتياز واحد فقط. وملحق بالعيادة عشرة أسِرَّة داخلية لحجز الأطفال المرضى ذوي الحالات المتأخرة.

 سار أسلوب العلاج الذي اتبعته د.زهيرة في ثلاث محاور رئيسة:
1. الفحص الإكلينيكي:
الاهتمام بالفحص الدقيق والتشخيص السليم، ووصف العلاج اللازم وحجز الحالات المتأخرة في المستشفى.

2. التثقيف الصحي.
يهدف التثقيف الصحي( ) إلى التشخيص المبكر والعلاج والوقاية من الأمراض، وتزداد أهميته في الأمراض المزمنة التي ينتج عنها نسبة عالية من الوفيات والإعاقات مثل مرض روماتيزم القلب. أدخلت زهيرة عابدين مفهوم التثقيف الصحي في برنامجها العلاجي لمرض روماتيزم القلب، فكانت تجتمع بأمهات الأطفال مرة واحدة في الأسبوع تشرح لهن كيفية التعامل مع المرض في أحواله المختلفة، وتحرك فيهن الدافعية للمشاركة الفعالة والإيجابية في متابعة عملية العلاج والتفاعل مع الطبيب والمؤسسة الصحية للوصول لأفضل نتائج العلاج.

     ويجدر بالذكر أن استخدام مفهوم التثقيف الصحي في برامج الرعاية الصحية والعلاج مما تفتقده أنظمة المؤسسات الصحية في مصر الرسمية والأهلية والاستثمارية على السواء، وتهتم به المؤسسات الصحية في الغرب، ولاشك أن إدخال هذا المفهوم في برامج الوقاية والعلاج له بالغ الأثر على اقتصاديات واجتماعيات الطب والصحة في البلاد النامية على وجه الخصوص.    

3. البحث العلمي.    
     بعد مرور عام من العمل في وحدة أمراض روماتيزم القلب في مشفى أبو الريش مدة عام، أجرت د.زهيرة عدة أبحاث علمية إحصائية تكشفت عن الحقائق التي سبق الإشارة إليها في المقدمة.

     ويُعد إدخال أسلوب البحث العلمي في متابعة العلاج والتحقق من نتائجه أحد أسباب نجاح د.زهيرة في مكافحة مرض روماتيزم القلب، كما يُعد تفردًا لها في المجال الطبي العلمي، مقارنةً بالمؤسسة الصحية الرسمية التي لا تعتمد أسلوب البحث العلمي في طرائق العلاج في ظل ظروف ضعف التدريب البحثي في نظام التعليم الطبي وقلة موارد البحث العلمي وتكاليفه العالية.

جمعية أصدقاء مرضى روماتيزم القلب: الفكرة و البذرة والتنفيذ.

 ونتيجة للحقائق التي كشفتها الأبحاث الإحصائية اتضح أن العلاج الخارجي الذي تقدمه العيادة لا يجدي كثيرًا في تحقيق الشفاء، ولذلك حاولت د.زهيرة إنشاء مستشفى جامعي خاص لأمراض روماتيزم القلب للأطفال، ولكن لم يتحقق حلمها بذلك، فقررت بذل جهدها وجهادها في مكافحة المرض من خلال العمل الطوعي، وفكرت في إنشاء جمعية خيرية لمكافحة المرض، وما إن تجمع لديها مبلغ لا يتجاوز 700 جنيه حتى اتخذت قرارًا جريئًا وشجاعًا بافتتاح الجمعية في فيلا صغيرة في موقع جميل على سفح الهرم، حيث افتتحها السيد محمد توفيق عبد الفتاح وزير الشئون الاجتماعية رسميًّا في يوليو 1959م، ونالت الجمعية بعد ذلك الكثير من التبرعات الصادقة من أهل الخير كما تلقت عونًا وتأييدا من وزير الشئون الاجتماعية ومحافظ الجيزة. 

جمعية أصدقاء مرضى روماتيزم القلب للأطفال:الرؤية والأهداف والبرنامج

الرؤية والمفهوم

    رسمت د.زهيرة أسلوب العمل في الجمعية على أساس رؤية كلية ومتكاملة للصحة والمرض، فلم ترَ المرض كجزء منفصل عن بيئته، ولم ترَ مهمة الطبيب علاج ذاك الجزء المنفصل فقط، وإنما رأت المرض جزءًا بيولوجيًّا من كلٍّ بيئيّ ومن كل إنسانيٍّ كذلك، فأدخلت في برنامج الجمعية  العلاجي والوقائي والتأهيلي الأبعاد الاجتماعية والنفسية والثقافية والدينية والتربوية في تناغم  واتساق وواقعية كذلك.

كما رأت د.زهيرة أن حقل الطب الاجتماعي مكملٌ لحقل طب الأطفال، وإليها يعود السبق في إدخال مفهوم الطب الاجتماعي إلى المجال الطبي في مصر، وجعله مفهومًا حيًّا في تجربة مركز روماتيزم القلب في الهرم، حيث ترى د.زهيرة أن دور الطبيب لا يقتصر فقط على علاج الأمراض المختلفة إنما يتعداه للوقاية من الظروف الدافعة لهذه الأمراض، والاهتمام بمعرفة المشاكل الصحية الموجودة في البيئة والتخطيط للقضاء عليها، وقد بذلت د.زهيرة مجهودات كبيرة لتدعيم هذا الاتجاه عمليًّا في مؤسساتها الصحية وبين تلاميذها والعاملين معها في الحقل الطبي حتى أصبحت ذات مدرسة علمية متميزة( ) و نالت لقب "أستاذ كرسي طب المجتمع" تقديرًا لجهودها.

الأهداف

وحسب هذه الرؤية الصحية الاجتماعية، تحددت أهداف الجمعية وخطة العمل للقضاء على المرض والبرنامج العلاجي والوقائي والتأهيلي للجمعية كالتالي:
- أهداف علاجية: علاج الأطفال المصابين بروماتيزم القلب، والقيام بأبحاث علمية في هذا الميدان. 
- أهداف وقائية: مكافحة مرض روماتيزم القلب بشتى الأساليب (تثقيف – رعاية – علاج وقائي) من خلال برنامج يشمل جمهورية مصر العربية كلها.
- أهداف اجتماعية: تأهيل مهني للمصابين بعاهات قلبية، ورعاية الطلبة المحتاجين لتمكينهم من الاستمرار في الدراسة. 
- أهداف تعليمية: إنشاء مدرسة للتمريض والخدمة الاجتماعية الطبية.( )

البرنامج

وضعت د.زهيرة خطة شاملة للقضاء على مرض روماتيزم القلب في مصركما كانت تطمح، والخطة تشمل وسائل تخص الدولة ووسائل تخص الجمعيات ووسائل تخص الأسرة كما هو موضح بالتالي:

وسائل تخص الدولة:
توفير السكن الصحي، والرقابة الشديدة على تهوية أماكن التجمع.
زيادة الوعي الصحي بالمرض من خلال المناهج الدراسية وطرق الإعلام. 
تشجيع الجمعيات والهيئات الخاصة التي تخدم في هذا السبيل.

وسائل تخص الجمعيات:
التوسع في نشر عيادات الفحص والعلاج, وإعطاء الحقن وتتبع المرض.
توفير الوحدات والمستشفيات المتخصصة للعلاج الداخلي.
تدريب أكبر عدد ممكن من الأطباء والممرضات في هذا الاختصاص.
نشر الوعي الصحي بين أهالي المرضى.

وسائل تخص الأم والأسرة:
حسن التهوية  وتشجيع الأطفال على ممارسة الرياضة والمسارعة بمشاورة الطبيب عند حدوث العوارض الأولى للمرض. 
جمعية أصدقاء مرضى روماتيزم القلب في عشر سنوات:التوسع في الإنشاءات      والأنشطة:تحقيق الرؤية وتجسيد المفهوم: من علاج المرض إلى بناء الإنسان.

سرعان ما استطاعت د.زهيرة عابدين_بتوفيق الله وعون المخلصين_ تحقيق رؤيتها في الرعاية الصحية المتكاملة للمريض وأسرته على أرض الواقع. وشملت هذه الرعاية مراحل ماقبل المرض ( الوقاية) ومراحل المرض (العلاج والنقاهة) ومراحل مابعد المرض ( التأهيل والتعليم والتثقيف والتدريب المهني) بالإضافة لإدخال مفاهيم الصحة النفسية والاجتماعية والأبعاد التربوية والأخلاقية والدينية  في كل هذه المراحل، وتدريب فريق العمل كله على أسس ومفاهيم هذه المدرسة الطبية الإنسانية الاجتماعية. 
وبتطبيق هذه الرؤية المتكاملة استطاعات د.زهيرة الارتقاء بمستوى خدمة المؤسسة الصحية من مجرد علاج مرض إلى بناء إنسان متكامل فاعل في مجتمعه.

تجسدت رؤية ومدرسة د.زهيرة في توسعات الإنشاءات والمباني وتوسعات الأنشطة والبرامج العلاجية والتأهيلية، حيث نمت الجمعية خلال عشر سنوات من فيلا صغيرة تتسع لخمسة وعشرين سريرًا، إلى مبنى كبير يتسع لمائتين وأربعين سريرًا، تتم فيه مراحل الرعاية الصحية (العلاج _ النقاهة _العمليات) ملحق به:
معامل التشخيص السريرية الكيميائية والبكتيرية: تقوم بالوظائف التشخيصية بالإضافة لمهام البحث العلمي.
القسم الاجتماعي: ووظائفه: الرعاية الاجتماعية والتوعية الدينية والصحة النفسية والترفيه.
مدرسة دارالشفاء.
أقسام التدريب المهني.
بازار مركز القلب.

تحقق الهدف ونجاح النموذج

وفي خلال عشرين عامًا من العمل المتواصل في تنفيذ برنامج الرعاية المتكاملة، أسفرت جهود الجمعية في مكافحة المرض وخفض نسبة الحدوث من 67% إلى 4% فقط.كما أسفرت عن نجاح نموذج الرعاية المتكاملة للمريض، وعلاج المجتمع، وإمكانية تفعيله في المجتمع المصري في ظل الإمكانيات الحالية لبلادنا من حيث النواحي الاقتصادية والثقافية والعلمية والفنية. 
إن نجاح نموذج د.زهيرة عابدين يكمن في قدرة د.زهيرة على الخروج بمفاهيم الصحة الشاملة والرعاية المتكاملة من دائرة الأكاديميا المتخصصة في غرف المؤتمرات المغلقة إلى  تركيبية المجتمع بكل مشاكله البسيطة والمعقدة، وكل أبعاده الثقافية والاجتماعية والاقتصادية لتنهض به مما هو واقع فيه إلى مستوى يقترب من الصورة المثالية.

الخميس، مارس 15، 2012

زهير بن أبي سلمى وغرض المدح

كتب في 15 مارس 2006 

تنوعت أغراض الشعر الجاهلي بين المدح والحكمة والرثاء والهجاء والفخر والوصف، وتميز غرض المدح عن سائر الأغراض بقدرته على اجتلاب النفع والعطاء للشاعر المادح حين يرضي ويُشبع نفس الممدوح تقديرًا وعظمة، وكان لهذا الغرض أثرٌ بالغ في تغلب الصنعة والتنقيح على مذهب المطبوعين في الشعر؛ فقد كان الشعر العربي ينبع دائمًا من طبع الشاعر وإحساسه وعاطفته، فيقوله على البديهة والارتجال دونما تكلف أو مراجعة أو تنقيح أو تحوير. قال ابن رشيق "كانت العرب لا تتكسب بالشعر، وإنّما يصنع أحدهم ما يصنعه فكاهة أو مكافأة عن يدٍ لا يستطيع أداء حقّها إلاّ بالشكر إعظامًا لها؛ فلمّا شعر الكبراء والقادة بأنّ مظاهر سيادتهم، ودلائل عظمتهم تستدعي أن يكون هناك شاعر يعلي من شأنهم، ويرفع من أقدراهم، ويذيع مفاخرهم، ويلبسهم من شعره حللاً فضفاضة من الإجلال والمهابة؛ أخذوا يقربون الشعراء ويغدقون عليهم العطايا السنيّة والهبات الجزيلة"[1] وبدأ الشعراء ينساقون في هذا الطريق دونما تحرج، ومن هؤلاء النابغة الذبياني الذي تكسّب مالاً جسيمًا حتّى كان أكله في صحاف الذهب والفضة؛ والأعشى الذي امتهن الشعر وجعله وسيلة إلى كسب قوته وانتجاع رزقه؛ والحطيئة الذي ألّح في التكسب بالشعر. هنا أخذ الشعر الجاهلي منعطفًا جديدًا، فبدأ الشعراء المدّاحون يميلون نحو تجويد شعرهم وتنقيحه ومراجعته وتهذيبه، حتّى يصل إلى مستوى يرضى به الممدوح، ويصل إلى ما يريد من نفسه؛ فكان الشاعر يجهد نفسه في رسم صورة هائلة لقوة الممدوح الحربيّة "يتحدث الشاعر عن قوة الممدوح الحربية عامّة، وإن كان يريد في ذهنه تلك الحرب التي شنّها على أعدائه، وأخذ فيها هؤلاء الأسرى الذي يتملق الشاعر  بشعره من أجل إطلاق سراحهم، ثمّ يعقب على ذلك بعرض مطلبه صراحة، راجيًا أن يحقق الممدوح أمله"[2]
إذًا فلقد تأثّر جوهر الشعر حين انساق الشعراء في غرض المدح نحو الكسب وحبّ العطاء. وتأثّرت كذلك منازل الشعراء؛ فغضّ هذا التكسب من أقدارهم. وإذا كان كثير من الشعراء مدحوا بدافع التكسب؛ فإنّ للمدح أغراضًا أخرى نبيلة كالاعتراف بالجميل، أو دوافع سياسيّة كالرغبة في إطلاق أسير، أو توطيد الصلة بين قوم الشاعر وحلفائهم؛ كما كان النّابغة في بني أسد، حلفاء قومه؛ أو تخليد عمل جليل كما مدح زهير هرمَ بن سنان. 

زهير في سماء المدح
وبرز نجم شاعرنا زهير في سماء المدح النبيل المتعفف، حيث مدح هرم بن سنان والحارث بن عوف وسيطا الصلح، وداعيتا السلام اللذان أنهيا حرب داحس والغبراء الدّامية بين عبس وذبيان، بتحملهما ديّات القتلى بين القبيلتين، بعد أن استمرت أربعين عامًا تقضي على الأخضر واليابس، وتحرم النساء والأطفال حقّ الأمن والاستقرار "فلمّا نهض هرم بن سنان بما كان يعجز زهير عن النهوض به، وجد الشاعر في الرجل الكبير ضالّته، فمدحه المدح الذي يرضي ضميره أولاً، والممدوح بعد ذلك"[1]

نسبه ونشأته
وشاعرنا زهير هو زهير بن ربيعة بن رياح بن قرط بن الحارث بن مازن. ولد في الحاجر، ونشأ يتيمًا، فتزوجت أمّه الشاعر أوس بن حجر، فنشّأه أوس على رواية الشعر وقرضه، عاش زهير في كنف خاله بشامة، وأخذ عنه الشعر والحكمة، وحصافة الرأي، وبعد النظر. وقد اتصل الشعر في ولده، فيقال إنّه لم يتصل الشعر في ولد أحد الفحول في الجاهليّة ما اتصّل في ولد زهير، فهؤلاء خمسة شعراء في نسق واحد: العوام بن عقبة بن كعب بن زهير بن أبي سلمى. 

أخلاقه وشمائله
تحلّى بمكارم الأخلاق، ولم يشرب الخمر، ولم يبتذل حين تغزّل، ولم يؤثر عنه الفحش، وكان متواضعًا إذا اضطرته الحياة إلى شيء من الفخر، لم يقده الفخر إلى العزة بالإثم. (طليمات). 
وقد ذكر الألوسي أنّ عقله الراجح أفضى به إلى الإيمان على نحوٍ غامض بالبعث، وبقدرة الله على إحياء الموتى، وذكر ابن قتيبة أنّه كان "يتألّه ويتعفف في شعره، ويدلّ شعره على الإيمان بالبعث"
فلا تكتمنّ الله ما في نفوسكم           ليخفى ومهما يكتم الله يعلم
يؤخر فيوضع في كتاب فيدّخر           ليوم الحساب أو يعجل فينقم
وقد كان زهير رجلا عفّ القلب واللسان، ولذلك أحبّه قومه، وتقرّب إليه السادة بالهدايا والألطاف، كما كان زهير إنسانًا يعترف بالجميل لمن أولاه، ولا ينسى يدًا أسداها إليه إنسان، وكان يجود على غيره، كما يُجاد عليه، ويهدي كما يُهدى إليه. 

مكانته بين الشعراء
زهير أحد الشعراء الثلاثة المتقدمين على الشعراء باتفاق، وهم امرؤ القيس، والنابغة الذبياني وزهير[1]. وروى ابن سلام "أنّ علماء البصرة كانوا يقدّمون امرؤ القيس بن حجر، وأهل الكوفة كانوا يقدمون الأعشى، وأنّ أهل الحجاز يقدّمون زهيرًا" (طبقات فحول الشعراء لابن سلاّم). صنّفه ابن سلام في الطبقة الأولى، وقال جرير: هو شاعر الجاهليّة. أمّا ما امتاز به شعره، وكان سبب تقديمه، فهو ما أخبر به خليفة عن محمد بن سلام، قال: " من قدّم زهيرًا، احتجّ بأنّه كان أحسنهم شعرًا، وأبعدهم عن سخف، وأجمعهم لكثير من المعاني في قليلٍ من الألفاظ، وأشدّهم مبالغة في المدح، وأكثرهم أمثالاً في شعره"[2] ولكلّ هذا استحق زهير لقب شاعر الشعراء عن جدارة. 



[1]  نصر الدين فارس. الجاهلية والتصوير الفنّي. حمص: دار المعارف، 1999. ص 61
[2] أبو الفرج الأصفهاني. الأغاني. ج 10، ص 315 




[1] غازي طليمات. الأدب الجاهلي. 




[1] محمد عبد المنعم خفاجي. دراسات في الأدب الجاهلي والإسلامي (بيروت: دار الجيل، 1992) ص 97-98
[2] علي الجندي. شعر الحرب. القاهرة: دار الفكر العربي، د.ت.