الخميس، مارس 15، 2012

زهير بن أبي سلمى وغرض المدح

كتب في 15 مارس 2006 

تنوعت أغراض الشعر الجاهلي بين المدح والحكمة والرثاء والهجاء والفخر والوصف، وتميز غرض المدح عن سائر الأغراض بقدرته على اجتلاب النفع والعطاء للشاعر المادح حين يرضي ويُشبع نفس الممدوح تقديرًا وعظمة، وكان لهذا الغرض أثرٌ بالغ في تغلب الصنعة والتنقيح على مذهب المطبوعين في الشعر؛ فقد كان الشعر العربي ينبع دائمًا من طبع الشاعر وإحساسه وعاطفته، فيقوله على البديهة والارتجال دونما تكلف أو مراجعة أو تنقيح أو تحوير. قال ابن رشيق "كانت العرب لا تتكسب بالشعر، وإنّما يصنع أحدهم ما يصنعه فكاهة أو مكافأة عن يدٍ لا يستطيع أداء حقّها إلاّ بالشكر إعظامًا لها؛ فلمّا شعر الكبراء والقادة بأنّ مظاهر سيادتهم، ودلائل عظمتهم تستدعي أن يكون هناك شاعر يعلي من شأنهم، ويرفع من أقدراهم، ويذيع مفاخرهم، ويلبسهم من شعره حللاً فضفاضة من الإجلال والمهابة؛ أخذوا يقربون الشعراء ويغدقون عليهم العطايا السنيّة والهبات الجزيلة"[1] وبدأ الشعراء ينساقون في هذا الطريق دونما تحرج، ومن هؤلاء النابغة الذبياني الذي تكسّب مالاً جسيمًا حتّى كان أكله في صحاف الذهب والفضة؛ والأعشى الذي امتهن الشعر وجعله وسيلة إلى كسب قوته وانتجاع رزقه؛ والحطيئة الذي ألّح في التكسب بالشعر. هنا أخذ الشعر الجاهلي منعطفًا جديدًا، فبدأ الشعراء المدّاحون يميلون نحو تجويد شعرهم وتنقيحه ومراجعته وتهذيبه، حتّى يصل إلى مستوى يرضى به الممدوح، ويصل إلى ما يريد من نفسه؛ فكان الشاعر يجهد نفسه في رسم صورة هائلة لقوة الممدوح الحربيّة "يتحدث الشاعر عن قوة الممدوح الحربية عامّة، وإن كان يريد في ذهنه تلك الحرب التي شنّها على أعدائه، وأخذ فيها هؤلاء الأسرى الذي يتملق الشاعر  بشعره من أجل إطلاق سراحهم، ثمّ يعقب على ذلك بعرض مطلبه صراحة، راجيًا أن يحقق الممدوح أمله"[2]
إذًا فلقد تأثّر جوهر الشعر حين انساق الشعراء في غرض المدح نحو الكسب وحبّ العطاء. وتأثّرت كذلك منازل الشعراء؛ فغضّ هذا التكسب من أقدارهم. وإذا كان كثير من الشعراء مدحوا بدافع التكسب؛ فإنّ للمدح أغراضًا أخرى نبيلة كالاعتراف بالجميل، أو دوافع سياسيّة كالرغبة في إطلاق أسير، أو توطيد الصلة بين قوم الشاعر وحلفائهم؛ كما كان النّابغة في بني أسد، حلفاء قومه؛ أو تخليد عمل جليل كما مدح زهير هرمَ بن سنان. 

زهير في سماء المدح
وبرز نجم شاعرنا زهير في سماء المدح النبيل المتعفف، حيث مدح هرم بن سنان والحارث بن عوف وسيطا الصلح، وداعيتا السلام اللذان أنهيا حرب داحس والغبراء الدّامية بين عبس وذبيان، بتحملهما ديّات القتلى بين القبيلتين، بعد أن استمرت أربعين عامًا تقضي على الأخضر واليابس، وتحرم النساء والأطفال حقّ الأمن والاستقرار "فلمّا نهض هرم بن سنان بما كان يعجز زهير عن النهوض به، وجد الشاعر في الرجل الكبير ضالّته، فمدحه المدح الذي يرضي ضميره أولاً، والممدوح بعد ذلك"[1]

نسبه ونشأته
وشاعرنا زهير هو زهير بن ربيعة بن رياح بن قرط بن الحارث بن مازن. ولد في الحاجر، ونشأ يتيمًا، فتزوجت أمّه الشاعر أوس بن حجر، فنشّأه أوس على رواية الشعر وقرضه، عاش زهير في كنف خاله بشامة، وأخذ عنه الشعر والحكمة، وحصافة الرأي، وبعد النظر. وقد اتصل الشعر في ولده، فيقال إنّه لم يتصل الشعر في ولد أحد الفحول في الجاهليّة ما اتصّل في ولد زهير، فهؤلاء خمسة شعراء في نسق واحد: العوام بن عقبة بن كعب بن زهير بن أبي سلمى. 

أخلاقه وشمائله
تحلّى بمكارم الأخلاق، ولم يشرب الخمر، ولم يبتذل حين تغزّل، ولم يؤثر عنه الفحش، وكان متواضعًا إذا اضطرته الحياة إلى شيء من الفخر، لم يقده الفخر إلى العزة بالإثم. (طليمات). 
وقد ذكر الألوسي أنّ عقله الراجح أفضى به إلى الإيمان على نحوٍ غامض بالبعث، وبقدرة الله على إحياء الموتى، وذكر ابن قتيبة أنّه كان "يتألّه ويتعفف في شعره، ويدلّ شعره على الإيمان بالبعث"
فلا تكتمنّ الله ما في نفوسكم           ليخفى ومهما يكتم الله يعلم
يؤخر فيوضع في كتاب فيدّخر           ليوم الحساب أو يعجل فينقم
وقد كان زهير رجلا عفّ القلب واللسان، ولذلك أحبّه قومه، وتقرّب إليه السادة بالهدايا والألطاف، كما كان زهير إنسانًا يعترف بالجميل لمن أولاه، ولا ينسى يدًا أسداها إليه إنسان، وكان يجود على غيره، كما يُجاد عليه، ويهدي كما يُهدى إليه. 

مكانته بين الشعراء
زهير أحد الشعراء الثلاثة المتقدمين على الشعراء باتفاق، وهم امرؤ القيس، والنابغة الذبياني وزهير[1]. وروى ابن سلام "أنّ علماء البصرة كانوا يقدّمون امرؤ القيس بن حجر، وأهل الكوفة كانوا يقدمون الأعشى، وأنّ أهل الحجاز يقدّمون زهيرًا" (طبقات فحول الشعراء لابن سلاّم). صنّفه ابن سلام في الطبقة الأولى، وقال جرير: هو شاعر الجاهليّة. أمّا ما امتاز به شعره، وكان سبب تقديمه، فهو ما أخبر به خليفة عن محمد بن سلام، قال: " من قدّم زهيرًا، احتجّ بأنّه كان أحسنهم شعرًا، وأبعدهم عن سخف، وأجمعهم لكثير من المعاني في قليلٍ من الألفاظ، وأشدّهم مبالغة في المدح، وأكثرهم أمثالاً في شعره"[2] ولكلّ هذا استحق زهير لقب شاعر الشعراء عن جدارة. 



[1]  نصر الدين فارس. الجاهلية والتصوير الفنّي. حمص: دار المعارف، 1999. ص 61
[2] أبو الفرج الأصفهاني. الأغاني. ج 10، ص 315 




[1] غازي طليمات. الأدب الجاهلي. 




[1] محمد عبد المنعم خفاجي. دراسات في الأدب الجاهلي والإسلامي (بيروت: دار الجيل، 1992) ص 97-98
[2] علي الجندي. شعر الحرب. القاهرة: دار الفكر العربي، د.ت. 

هناك 4 تعليقات:

  1. طيب لية مافية الهجاء
    والوصف والغزل

    ردحذف
  2. نمترمنبةلانمبءةنمر

    ردحذف
  3. جميل جدا وكنت اتمنى ان تكثري من بعض اشعاره

    ردحذف
  4. كتيييييييييييييييييييييير كان في تلخيص أتمنى التوسع في أغراض شعر زهير

    ردحذف