الخميس، مارس 08، 2012

يزيد بن معاوية: أوّل ملك في الإسلام

كتب في 11 نوفمبر 2006

يزيد بن معاوية هو ثاني الخلفاء الأمويين، وأول من تولّى الخلافة بنظام التوريث. دامت خلافته ثلاث سنوات وثمانية أشهر. ونسبه الكامل هو أبو خالد يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن صخر بن حرب بن أميّة بن عبد شمس[1] ولد من ميسون بنت بحدل بن أديف بن ولجة بن قنافة بن عدي بن زهير بن حارثة الكلبي[2]، وهي امرأة بدوية تزوجها معاوية بن أبي سفيان قبل أن يلي الخلافة، غير أنّها لم تحتمل المعيشة في دمشق، فردّها إلى أهلها فنشأ يزيد في البادية على ما عوّدته أمّه من معيشة البدو. وكان يزيد فصيحًا كريمًا وشاعرًا، حتّى قالوا "بدئ الشعر بملك وختم بملك" يعنون امرؤ القيس، ويزيد[3] . وهو أوّل من اتخذ المغاني والندماء وجلس في المحفة[4]


كان يزيد أوّل من تولّى الخلافة بنظام التوريث، وشهد عهده انتقال الدولة من نظام الشورى الذي ساد عهد الخلفاء الراشدين إلى نظام ولاية العهد الذي سار عليه الأمويون في حكم الدولة الإسلامية. 


عزم معاوية بن أبي سفيان على الوصية لابنه؛ لكنه كان من الحكمة والدهاء ألاّ يفجأ الأمّة بهذا القرار، بل مهّد له بإسكات المعارضة وتضميد الجراح القديمة، وكسب الأعوان والأنصار. فبدأ هذا التغيير بأن أوحى إلى عمّاله أن يرسلوا إليه الوفود من مختلف الأمصار تطالبه أن ينصح للأمّة ويتخيّر لها، فجاءت إليه الوفود من البصرة والكوفة والمدينة إلى جانب زعماء الشّام يطالبون معاوية أن يستخلف وليًّا للعهد درءًا للفتن، وحرصًا على مصلحة الأمّة دون أن يرشحّوا أحدًا، وكتب إلى عامله بالمدينة مروان بن الحكم: "إنّي كبرت سنّي ودقّ عظمي وخشيت الاختلاف على الأمّة بعدي، وقد رأيتُ أن أتخيّر لهم من يقوم بعدي وكرهت أن أقطع الأمر دون مشورة من عندك"، فعرض مروان الكتاب على زعماء المدينة فوجد لديهم قبولاً واستحسانًا. 

وعندئذ جاءت خطوة أخرى، حيث عقد معاوية مؤتمرًا في الشّام حضرته وفود الأمصار، وقرروا عقد البيعة لابنه يزيد، وكتب إلى عمّاله ليعلموا النّاس بهذا القرار فلمّا أطلع مروان أهل المدينة على كتاب التولية اعترض عليه عدد من أبناء الصحابة منهم الحسين بن علي، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر، فلمّا قال لهم مروان: "إنّ أمير المؤمنين يريد سنّة أبي بكر وعمر" قال عبد الرحمن بن أبي بكر "بل سنة كسرى وقيصر، إنّ أبا بكرٍ وعمر لم يجعلاها في أولادهما ولا في أحد من آل بيتهما"[1] وهكذا بايع النّاس يزيد عدا هؤلاء النّفر، فقسا معاوية عليهم، وخالف شروط الخلافة، وانتقل بها من خلافة إسلامية شوريّة إلى ملكيّة وراثيّة[2]

وعندما مرض معاوية مرضته التي هلك فيها سنة ستين، دعا يزيد ابنه، فقال: "يا بنيّ، إنّي قد كفيتك الرحلة والترحال، ووطأت لك الأشياء وذللت لك الأعداء، وأخضعت لك أعناق العرب، وجمعت لك من جمعٍ واحد، وإنّي لا أتخوف أن ينازعك هذا الأمر الذي استتب لك إلاّ أربعة نفر من قريش: الحسين بن عليّ، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر. فأمّا عبد الله بن عمر، فرجل قد وقذته العبادة، وإذا لم يبق أحدٌ غيره، بايعك؛ وأمّا الحسين بن علي فإنّ أهل العراق لن يدعوه حتّى يخرجوه، فإن خرج عليك فظفرت به فاصفح عنه فإنّ له رحمًا ماسّة وحقًّا عظيمًا، وأمّا ابن أبي بكر، فرجلٌ إن رأى أصحابه صنعوا شيئًا صنع مثلهم، ليس له همّة إلاّ في النّساء واللهو، وأمّا الذي يجثم لك جثوم الأسد، ويراوغك مراوغة الثعلب فإذا أمكنته فرصة وثب، فذاك ابن الزبير، فإن فعلها بك فقدرت عليه فقطعه إربًا إربًا"[1]

بويع ليزيد بن معاوية بالخلافة بعد وفاة والده للنصف من رجب، ولم يكن ليزيد همّة حين ولي إلاّ بيعة النّفر الذين أبوا على معاوية الإجابة إلى بيعة يزيد حين دعا النّاس إلى بيعته، وأنّه ولي عهده، والفراغ من أمرهم، فكتب إلى الوليد: "أمّا بعد، فخذ حسينًا وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذًا شديدًا ليست فيه رحمة حتّى يبايعوا والسلام"[1]

فبايع عبد الله بن العباس، وعبد الله بن عمر، أمّا عبد الله بن الزبير، فإنّه أبى وفرّ إلى مكة واستعاذ بالبيت، وأخذ يعمل على بث الدعوة لنفسه، ولكنّه وجد في الحسين بن عليّ منافسًا قويًّا له فلم يجرؤ على مناوأته. 



ثورة الحسين بن علي

ولمّا طلب عامل المدينة من الحسين بن علي أن يبايع بالخلافة، قال له: "أمّا البيعة فإنّ مثلي لا يعطي بيعته سرًّا، ولا أراك تجترئ بها منّي دون أن تظهرها على رؤوس النّاس علانية، فإذا خرجت إلى النّاس فدعوتهم إلى البيعة دعوتنا مع النّاس فكان أمرًا واحدًا، فقال له الوليد، وكان يحب العافية: "فانصرف على اسم الله"[1]
وعلى إثر هذه المقابلة، خرج الحسين من المدينة ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب سنة ستينن واصطحب بنيه وإخوته وجلّ أهل بيته إلاّ محمد بن الحنفيّة[1] وكاتب حسين الشيعة بالكوفة، فاستحثّوه على القدوم، وناصروه، فأرسل مسلم بن عقيل ليستوثق الأمر، فالتفّ حوله الشيعة، فكتب إلى حسين يستحثّه على القدوم. 

ولكنّ يزيد عزل النّعمان بن بشير، وولّى مكانه عبيد الله بن زياد، فأخذ الشيعة بالشدّة وتفرّق عن مسلم بن عقيل كثيرٌ من أهل الكوفة، فاستجار بهانئ بن عروة المرادي فقتلهما عبيد الله بن زياد، وخرج حسين يريد الكوفة، فتلقّاه عسكر ابن زياد فقتلوه بالطّف، وقتلوا معه اثنين وسبعين رجلاً من أولاده وإخوته وبني عمّه وأصحابه ومواليه، وسبوا حريمه، وبعث عبيد الله بن زياد السبي والحريم ورؤوس القتلى إلى يزيد بن معاوية، وكان يزيد بدمشق، فردّهم إلى المدينة، وحمل رأس الحسين على رمح، وهو أول رأس حُمل في الإسلام[1]

خروج بلاد الحجاز/ غزوة مكّة
لم تنته مصائب يزيد عند حدّ كارثة كربلاء التي قتل فيها الحسين بن عليّ سنة 61 ه، فقد أبيحت المدينة المنورة وهي حرم رسول الله –صلّى الله عليه وسلّم- في عهده، ويرجع ذلك إلى كراهة أهلها حكم يزيد وخلعهم إيّاه، وطردهم عامله وتضييقهم على من كان بها من بني أميّة، فبعث إليهم يزيد مسلمَ بن عقبة المرّي وكان من جبابرة العرب ودهاتهم، وكان قد طعن في السنّ، فسار إليها وهو مريض، وحاصرها من جهة الحرّة من ظاهر المدينة وفتحها، ثمّ أباحها للجند ثلاثة أيّام، وأسرف هو وجنده في القتل والنّهب والاعتداء، فلقبّوه مسرفًا لذلك. وقد استشهد في تلك المعركة التي كانت شرًّا على الإسلام والمسلمين زهرة أهل المدينة من الفرسان ومن خيرة أصحاب الرسول، وقد أباح الأمويون المدينة ودنسوها. 

أمر يزيد قائده مسلم بن عقبة بطل الحرّة بالمسير إلى مكّة، فتوجّه إليها، وكان عبد الله بن الزبير قد دعا فيها إلى نفسه، وتبعه أهلها، ومات مسلم في الطريق، فتولّى قيادة الجند الحصين بن نمير، وكان يزيد قد أوصى بتوليته إذا مات مسلم، فسار بالجيش إلى مكّة وحاصرها، فخرج إليه ابن الزبير، وبينما كانت رحى القتال تدور بين الفريقين أتاهم نعي يزيد، فرأى الحصين أن يأخذ البيعة لابن الزبير إذا انتقل إلى الشّام، فأبى الزبير لأنّه أراد أن يعيد إلى بلاد الحجاز مجدها ويجعلها مركز الخلافة، فعاد الحصين وأتباعه ورفعوا الحصار عن مكّة بعد أن ألحقوا الخسارة الفادحة بالكعبة[1]

وفاة يزيد

هلك يزيد بن معاوية سنة أربع وستين، وكانت وفاته بقرية من قرى حمص، يقال لها حوارين من أرض الشام لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأول، وهو ابن ثمانٍ وثلاثين سنة[1].

المراجع والمصادر
إبراهيم بن محمد بن أيدمر العلائي. الجوهر الثمين في سير الخلفاء والملوك والسلاطين. تحقيق: سعيد عبد الفتّاح عاشور. الرياض: جامعة أمّ القرى، د.ت. 
حسن إبراهيم حسن. تاريخ الإسلام. القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 1964. 
أبو جعفر محمد بن جرير الطبري. تاريخ الرسل والملوك. تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم. لقاهرة: دار المعارف، د.ت.
محمد عبد الحميد الرفاعي. عصر الخلافة الأموية. القاهرة: دار الثقافة، 1990





[1] الطبري. مرجع سابق ص 499



[1] حسن إبراهيم حسن. مرجع سابق 286-287



[1] الطبري. مرجع سابق ص 499 


[1] الطبري.مرجع سابق. ص 341




[1] حسن إبراهيم حسن. مرجع سابق، ص 286 



[1] المرجع السابق، نفس الصفحة. 



[1] الطبري. مرجع سابق، ص 338




[1] د. محمد عبد الحميد الرفاعي. عصر الخلافة الأموية (القاهرة: دار الثقافة، 1990) ص 54
[2] حسن إبراهيم حسن. مرجع سابق. ص 284

[1] إبراهيم بن محمد بن أيدمر العلاني: الجوهر الثمين في سير الخلفاء والملوك والسلاطين (مكّة: جامعة أم القرى، تحقيق: سعيد عبد الفتاح عاشور) ص 59
[2] الطبري. تاريخ الطبري (تاريخ الرسل والملوك) ج 5 تحقيق أبو الفضل إبراهيم (القاهرة: دار المعارف، د.ت. ) ص 499
[3] حسن إبراهيم حسن. تاريخ الإسلام، المجلد الأول (القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 1964) ص 285
[4] إبراهيم العلائي. مرجع سابق. نفس الصفحة. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق