الأربعاء، مايو 01، 2013

تأمل في الدين والواقعة المؤسِّسة


أتابع في هذا اﻷسبوع باهتمام بالغ مراسمَ اﻻحتفال بأسبوع اﻵﻻم عند المسيحيين، بغيةَ فهم المسيحية والمسيحيين أكثر. ما زلنا اليوم في أربعاء البصخة، وما زال المسيح/ اﻹله يتألم وفقًا للاعتقاد المسيحي ولمّا يمت بعد.

ﻻحظت أثناء متابعتي بعض القنوات القبطية أنّ الدين المسيحي كله ، والذي تطور وتشكل عبر اﻷزمان وتفرق إلى طوائف ومذاهب، مؤسَّسٌ على هذه الواقعة تحديدا، أعني واقعة صلب المسيح حسب اﻻعتقاد المسيحي. وهو ما تبدّى في قول البابا شنودة: “المسيحية هي الصليب والصليب هو المسيحية"، تذكرني هذه اللحظة/ الواقعة المؤسِّسَة بواقعة استشهاد الحسين في كربلاء، والتي تأسس عليها المذهب الشيعي كله. وعلى الرغم من تطور المذهب الشيعي وتعقده عبر الزمن وتفرقه إلى مذاهب إﻻّ أنّه ظلّ مبتدئًا ومؤسّسًا على هذه الواقعة. وعلى الرغم من وجود واقعة استشهاد الحسين في التاريخ السني كذلك، واﻻعتراف بها، إﻻ أنها لم تشكل لحظة مؤسّسة لتطور ديني بعدها. 

هنا تستوقفني هذه المقارنة، ﻷحاول البحث عن واقعة تأسيسية للإسلام إﻻّ أنّي لم أجد، فلا أستطيع أن أقول أنّ لحظة الوحي للنبي، أو لحظة الهجرة، أو لحظة موت النبي مثلاً تمثل لحظة فاصلة في الوعي التاريخي للمسلم، أو واقعة مؤسّسة لتطور ديني يبتدئ بناء عليها واستلهامًا منها. وهذا ما يجعل قابلية اﻹطلاق في اﻹسلام أعلى من قابلية النسبية والمحدودية. 

وكذا تستوقفني نقطة نظام مهمة فيما يتعلق بالحوار المسيحي اﻹسلامي، وهي أنّ أي محاولة للتقارب العقدي أو محاولة طرف لتصحيح عقائد طرف آخر هي محاولة محكومٌ عليها بالفشل ابتداء، وغير ذات فعالية في الحوار.   يخبرنا القرآن أن المسيح لم يُصلب، بل رُفع ، "وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبِّه لهم" إنّ مجرد تصور هذه اﻵية الكريمة سيعني هدم البناء المسيحي كله على رأس معتقديه. البناء الذي يشمل اعتقاداتهم، ونظرتهم للكون، وتكوين نفوسهم ، ونظرتهم إلى الحياة اﻵخرة، فضلا عن مؤسساتهم من كنائس وأديرة وما يستتبعها. أفيُعقل أن نتحاور فيما هو مؤسّسٌ لدين!! إنّ محاولة الحوار في عقيدة صلب المسيح، إن تجاوزت مرحلة الشرح والتفسير إلى مرحلة محاولة اﻹقناع، ستؤدي حتمًا إلى أن يكفِّر بعضنا بعضًا، فكيان المسيحية كله مؤسَّسٌ على هذه الواقعة، والقرآن يخبرنا في بساطة أنّ المسيح لم يُصلب. إذًا، فلنترك العقائد جانبًا ولنا في الحوار اﻷخلاقي والفكري متّسع.

و لا يفوتني هنا مباركة عيد الفصح لجميع المسيحيين، والذي استدعى لي هذا التأمل!

هناك 6 تعليقات:

  1. تأمل أدى إلى ملحوظة جوهرية و شديدة الأهمية و أحييكي عليها ،،

    أوافقك و أخالفك في نفس الوقت في أن محاولة نقد معتقد الآخرين هي محاولة فاشلة إبتداءاً :

    اوافقك إذا كنا نتحدث عن حوار موسع بين قوتين سياسيتين (الكنيسة و الحكومة المسلمة مثلاً) ،، لأن هذا سيكون محتوماً بالفشل لنفس الأسباب التي ذكرتيها و أقرها ،،

    لكني أخالفك في شأن ترك ذلك على المستوى الفردي الدعوي ، من امنياتي أن تكون هناك مناظرات علمية مقننة علنية بين علماء في أديانهم ، ليس ليقنعوا بعضهم بتغيير عقائدهم ، و لكن ليستنير المتابعون فيبحثوا و يفكروا و ربما يذهبوا إلى الديانة الأقرب إلى الصواب فكراً و تطبيقاً ،، و هذا اعتبره أحد أسس الدعوة لدين الإسلام لثقتي في منطقيته و علميته.


    http://ahmadsyiam.blogspot.com/2012/11/blog-post_2553.html

    ردحذف
  2. ما شاء الله ... حقا جميل التفكر وكم هو رائع .. أعجبتنى المقالة ولكن استوقفتنى الخﻻصة ... أن نترك العقائد جانبا ولنا فى الحوار الفكرى واﻷخﻻقى متسع ... كيف ... بعد أن أصل لنتيجة أبوسها وأتركها جنب الحيط ... لو كانت لنا فى الحوار المجتمعى والتعايش بالمعروف وبناء مجتمعنا وأمتنا لكانت أفضل .. كيف أوقن أن الحق حق وأتركه واتحاور فيه ... اي حوار أخﻻقى وأنا مؤمن أن محمد حق والقراءن حق والرسالة حق ... أأتركها وﻻ أنطلق من أسسها ﻷبنى مجتمعى وأؤكد فيه على اواصر التعابش والمحبة على اﻵخر التى يأمرنى دينى باتباعها معه مالم يحاربنى فى دينى والحق الذى اعتقد أﻻ مرية فيه ... أمتهوكون يا ابن الخطاب كما قال الرسول لعمر وزاد لو أن موسى بن عمران حيا ما وسعه إﻻ اتباعي ... ديننا هو دين الله العليم العليم الحكيم الحكيم الرحيم الرحيم وهو كامل لا ينقصه شئ .. فقط أدرس وتفقه وستجد ما تؤمله وسيكون أساسا لك لﻹنطﻻق لعمارة الكون وعبادة الله و السعى للحق والعدل واﻹحسان فى جميع مناحى الحياة ... وشكرا

    ردحذف
  3. لكن دة ما يمنعش ان يبقى في حوار بغرض البحث عن المشترك، وهو كثير
    لكم دينكم ولي دين
    خلاص، اللي عاوز يتمسك بدينه يتمسك واللي عاوز يغير دينه يغير، لكن المساحة المشتركة على الجانب الإنساني وعلى الجانب الأخلاقي، وحتى في الجانب الديني، مساحة كبيرة، وهي دي اللي لازم نتمسك بيها ونحاول نوصل لها

    ردحذف
  4. جبتي من الآخر

    ردحذف
  5. نقطتين اود التعليق عليهما:
    1- الواقعة التأسيسية غير موجودة في الاسلام كمنشأ (وان كان حادثة الفيل هي المرجع لبداية التأريخ لصدر الاسلام كحقبة) وهي ايضا غير موجودة في بقية الاديان من المنظور الاسلامي ايضا وهو ا يجعل الاسلام متسق مع مبدأ ان الله يرسل رسلا (لا ابناءا) لتصحيح انحراف مجموعة معينة من الناس كل فترة واخري، حتى جاء الاسلام فكان ارسال الرسول الخاتم لتصحيح مسار البشرية كلها.

    "أنّ أي محاولة للتقارب العقدي أو محاولة طرف لتصحيح عقائد طرف آخر هي محاولة محكومٌ عليها بالفشل ابتداء" الكلام صحيح لو كان الحوار في مجال العاقائد والتقريب ما بينها، لكن اللذي يحدث غير ذلك، الحوار في المشتركات -الاخلاقية في الغالب- ما بين الاديان وبعضها، اما العقائد فلا مجال للتقريب ما بينها لاستحالة ذلك كما قلت انت.

    ردحذف
  6. صدقت ...طبعا من المستحيل التقارب في العقائد وأخبرنا الله بهذا في كثير من الآيات ...بل وتعدى الأمر الى اطلاعنا على الكثير مما يدور بخواطرهم تجاه عقائدنا بجمل غاية في الانصاف (وما أ‘نيه هنا على المستوى العقائدي) كما أنه من الملاحظ أن القرآن في كل هذه الآيات لايتكلم عنهم بصيغة الجمع ولكن يتكلم بصيغة الكثره .."ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم كفارا حسدا من عند أنفسهم".."ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم "..."وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا أو نصارى "..."ترى كثيرا منهم يتولون اللذين كفروا"..وعندما جادلهم الرسول عليه الصلاة والسلام في عقائدهم أوحى الله اليه اللا فائدة من الجدال وأنزل الله آية المباهلة

    ردحذف