الاثنين، يوليو 06، 2020

آدابنا

آدابنا
الشيخ مصطفى عبد الرازق

يحزننا أن نقرأ في كثيرٍ من الصحف أخبارًا عن تعرض فتياننا في الميادين والطرق للمحصنات من النساء عل وجهٍ خلوّ من الذوق ومن حسن الأدب حتى لبلغ التبرم من السيدات فيما يروى أنهن خرجن من حلمهن ورفقهن إلى صفع أقفيةٍ جامدةٍ نشفق من مسّها على تلك الأكف الناعمات، وحتى لروي في بعض الجرائد أنّ طالبًا انقضّ على فتاة في العتبة الخضراء يقبلها فزحزحه الشرطة عنها ليقودوه إلى القسم.

يحزننا أن تكون مظاهر آدابنا على هذا المثال القبيح في جيلٍ ناهض نعتمد على وطنيته وأخلاقه في تحقيق آمالنا القومية الكبرى. ولئن قلنا مع القائلين إنّ الذين يتعرضون للسيدات في الطرق ليسوا إلاّ من السفلة الأدنياء فما هو بمانعنا أن نتألم لأنهم على كل حال من قومنا أولئك السفلة الأدنياء.

            نتحسر لسقوطهم في أنفسهم ونشفق من آثار عملهم السيء في تشويه سمعتنا الأخلاقية وفي الجناية على نفوس أطفالنا اللينة التي تتكرر عليها هذه المشاهد في غدوها ورواحها وما كان يصح لنا أن نلجأ إلى السلطات الحكومية في زجر أولئك الأشرار عن غيهم ووقاية آدابنا ونسائنا من أذاهم.

            وإنّ السلطة التي تسن الشرائع لإقفال المحال العمومية متى تمت الساعة العاشرة مساءً حرصًا على بعض الجنود أن يسرفوا في شرب الخمور وغشيان الملاهي لقادرة أن تسن من القوانين ما هو أقلّ كلفة وأضعف مظهرًا في الحركة الاجتماعية لحماية السيدات الكريمات من مضايقة السفهاء من الرجال. ولكننا نكره أن تكثر القوانين قيودًا لحرية الناس ونحن في هم من قيود كثيرة فما يكون لنا أن نتمنى لها مزيدًا.

            نكره أن يظهر  طابع الرهبة والخوف من العقاب حتى في آدابنا ولوددنا أن يفهم قومنا جمال الفضائل وقبح الرذائل فيرغب أبناؤنا في الاحتشام والأدب بمثل الذوق الذي يرغبهم في جمال الهندام ورشاقة الحركات. ولأبنائنا في هذا المعنى ذوق مصقول. نعلم علمًا ليس بالظن أن نظامنا الاجتماعي القاضي بحرمان المرأة والرجل من الاختلاط النافع في غير ريبة والتعارف في ميدان الحياة تعارف النظير إلى النظير، كل ذلك جعل صورة المرأة في خيال الرجل صورة متاع مادي، ولا يخلو من هذا الشوب ما يقوم في نفوس النساء من صور الرجال.

            ولهذا المعاني بلا ريب عمل في نقص آداب المعاملات عندنا بين الرجل والمرأة. يا حبذا لو قدرنا على تفهيم رجالنا أن المرأة إنسانة لها إحساس وعقل إلى جانب ما فيها من لطف و جمال واستطعنا تعليم المرأة أن الرجل شريك لها يتعاونان معًا في العمل على سعادة المجموع واحترام حرية الفرد.

            لو استطعنا هذا لارتقى ما في عقول الجنسين من معنى العلاقة بينهما في الحياة ولزالت حدة الشره الجسمي اللاعب بتلك العقول المريضة. ألا إنّ ذلك سعي المصلحين وهو – بإذن الله – سعي منجح ونحن نطلب المعونة عليه إلى كل غيور في هذا البلد على الحرية والأخلاق والآداب. و ننصح لفتياننا أن يرعوا كرامة أمتهم وكرامة السيدات، بل أن يرعوا كرامة أنفسهم وكرامة الحرية الشخصية التي نسعى إليها جميعًا بحسن الأدب في المجامع وملتقى الناس.

السفور: العدد السادس. السنة الأولى. يوم الجمعة 12 شعبان 1333 هـ الموافق 25 يونية سنة 1915 م


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق