كتبت عن يومي الأول في المدرسة الصيفية في سريبرينيتسا في التدوينة الثالثة في سلسلة تدوينات تتناول خبرتي في هذه المدرسة، وهي التدوينة المكتوبة تحت عنوان من سراييفو إلى سريبرينيتسا ، وأستأنف هنا من حيث توقفت.
لم تقع الإبادة في مدينة سريبرينيتسا نفسها، بل في قرية تابعة لمحافظة سريبرينيتسا، تدعى بوتوتشاري. انقر هنا للتعرف على القرية.
وصلنا إلى قرية بوتوتشاري مساء 1 يوليو 2013، وابتدأ البرنامج في اليوم التالي. ها أنا ذا أعاين الأمكنة التي حدثت فيها جرائم القتل الجماعي المروع التي تناهت إلى سمعي في مراهقتي، وظلت محفورة في ذاكرتي حتى نهاية الشباب.
كان علينا أن نمشي كل يوم مسافة ربع الساعة من مشروع سكن التلاميذ لنصل إلى المركز التذكاري لضحايا الإبادة حيث نستمع إلى المحاضرات. الطبيعة في سريبرينيتسا خلابة، وتصورت كم كانت هذه التمشية ستكون جميلة لولم تكن مخيلتي ترسم مشاهد قاتل ومقتول وسفك دماء، وأن خطواتي تطأ أشلاء ضحايا كانوا هنا منذ ثمانية عشر عامًا!
على يمين المركز التذكاري وقبله، يظهر هذا المبنى الذي في الصورة. عرفت فيما بعد أنه كان مصنعًا للبطاريات قبل الحرب، ثم استخدمته القوات الهولندية لحفظ السلام قاعدة لها. كان هذا المصنع ذو المساحة الشاسعة هو الملجأ الآمن الوحيد في سريبرينيتسا حين ارتكبت جريمة الجرائم، والذي لجأ إليه النساء والأطفال.
مصنع البطاريات صورة ملتقطة بعدسة مايا في يوليو 2013 |
تحول مصنع البطاريات الآن إلى مكان تذكاري، ليحفظ ذكرى ضحايا الإبادة. وفي اليوم النهائي للمدرسة كان هذا المكان الذي خذل أكثر من 8000 رجل لم يسمح لهم بالدخول إليه طلبًا للأمان، هو المكان الذي ألقى بعض ممثلي المجتمع الدولي كلمة عزاء ومواساة واعتذار عن فشل هذا المجتمع في حماية حياة الأبرياء. من هؤلاء، مندوبة عن السفارة الأمريكية، ألقت كلمة هنا نصها. كان أمرًا مهيبًا جدًّا وباعثًا على الوجل أن نستمع إلى كلمات المواساة، وحولنا صور عديد من الضحايا وصور ذويهم معلقة على الجدران تذكرنا ماذا يعني العجز والخذلان.
مصنع البطاريات/ القاعدة الهولندية/ المحاضرة الختامية 11 يوليو 2013
أمام مصنع البطاريات وعلى يمينه، خصصت الأرض الخضراء لإعادة دفن جثامين الضحايا، بعد أن تم استخراج أغلبهم من المقابر الجماعية المتناثرة بين الجبال في جهود استمرت ثمانية عشر عامًا.
مدخل المركز التذكاري لضحايا سريبرينيتسا |
يظهر في الصورة مسجد يتوسط المركز التذكاري |
يدعون بالرحمة للضحايا |
كانت النظرة الأولى على مقابر الضحايا لحظة وجلة. مررت على أسمائهم المحفورة أقرأها اسمًا اسمًا. كان تصرفي التلقائي هو البحث عن مواليد عام ثمانين، العام الذي فيه ولدت! أردت أن أشعر كيف فقد صبي في عمري حياته حين كنت في واحة آمنة تدعى العين بالإمارات، حين كنت أسمع عن أخبار القتلى ولا أدري ما أعمارهم! كان فيهم كثر ممن كان في الخامسة عشرة! استطعت أن أميز اسم ضحية كان في عمري: مفيد أليجا حاليلوفيتش 1980-1995. قضى مفيد وهو في الخامسة عشرة بينما أكملت انا حياتي حتى سافرت لزيارة مرقده.
أردت أعرف ما مدى الأعمار التي كان يستهدفها المجرمون، فوجدت أنّ أسنّ رجل ولد في 1908 أي كان في عمر السابعة والسبعين... لماذا لم يتركوه يموت في سلام وقد شارفت حياته على الانتهاء على أي حال؟ كان أصغر صبي من مواليد 1983 أي كان في عمر الثانية عشرة! إذًا كان المجرمون يتركون الصبيان غير البالغين مع أمهاتهم ويأخذون بقية الرجال والفتية البالغين ممن فوق الثانية عشرة للقتل! تذكرت حينها ما فُعل ببني إسرائيل "يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم" إنّه حقًّا لبلاء عظيم.
أردت أعرف ما مدى الأعمار التي كان يستهدفها المجرمون، فوجدت أنّ أسنّ رجل ولد في 1908 أي كان في عمر السابعة والسبعين... لماذا لم يتركوه يموت في سلام وقد شارفت حياته على الانتهاء على أي حال؟ كان أصغر صبي من مواليد 1983 أي كان في عمر الثانية عشرة! إذًا كان المجرمون يتركون الصبيان غير البالغين مع أمهاتهم ويأخذون بقية الرجال والفتية البالغين ممن فوق الثانية عشرة للقتل! تذكرت حينها ما فُعل ببني إسرائيل "يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم" إنّه حقًّا لبلاء عظيم.
أخذت صديقتي نايدا البوسنية هذه الصورة لأن هذا الشاب المقتول المولود في 1974 هو ابن إمام المسجد الذي تذهب إليه في السويد. نجا الوالد وقتل الولد |
منظر يوضح المقابر والمركز ومصنع البطاريات/ القاعدة الهولندية |
إنّ هذه القبة الخضراء البعيدة التي تظهر في الصورة، هي المركز التذكاري الذي كنا نستمع فيه إلى المحاضرات و إلى شهادات الناجين. ويظهر من الداخل في هذه الصور.
ما بقي من أمكنة القتل في سريبرينيتسا هو الجبال الخضراء! نعم، الجبال التي لجأ إليها الباحثون عن الحياة، والتي تبعهم فيها الشرهون إلى قتل الأبرياء. روت دماء الأبرياء الكثيرة الأرض الخضراء الكثيفة، واحتوت بعض كهوفها من قُدّر لهم الحياة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق