الاثنين، أبريل 14، 2014

من سراييفو إلى سريبرينيتسا


ذهبت في زيارة إلى البوسنة الصيف الماضي؛ لحضور مدرسة صيفية عن إبادة سريبرينيتسا التي وقعت أحداثها المأساوية في يوليو 1995. وقد تصادف أنّ انعقاد المدرسة كان متزامنًا مع الأحداث السياسية المضطربة التي شهدتها مصر بدءًا من 30 يونيو 2013. 

سافرت  ليلة 30 يونيو تاركة القاهرة غارقة في حالة من الترقب وعدم اليقينية وفقدان الرؤية؛ وكأنّ القدر قد أراد لي أن لا أحضر الأحداث الجسام الحادة التي ينعطف فيها حاضر مصر انعطافًا كبيرًا. إذ لم أكن في مصر كذلك في 25 يناير 2011. خلّفت ورائي كل مشاعري المترقبة في تلك الليلة، فقد عزمت حقًّأ على السفر لحضور هذه المدرسة في دراسات الإبادة، تلك الظاهرة التي وجدتها تفوق كل قدرة على التحمل أو الفهم أو الاستيعاب أو حتى الاعتراف. ووجدت فيها مدخلاً لفهم "القتل الجماعي" الذي نشاهد حدوثه كل يوم ونبدو في عجز تام عن فعل شيء إزاءه. 

على الرغم أنّني كنت ذات ذهنية ثنائية أثناء المدرسة؛ ذهن في مصر يحاول متابعة الأحداث المفاجئة الجسيمة، وذهن آخر مع المدرسة يحاول أن يفهم سريبرينيتسا ذات الثمانية عشر عامًا؛ إلا أنّني استطعت أن أختطف كتابة تدوينتين عن التجربة في خضّم هذه الأحداث. إحداهما حين عدت من سريبرينيتسا إلى سراييفو: ما الذي جاء بك إلى سريبرينيتسا ، وفيها كتبت عن دوافعي للسفر إلى هذه المدينة، وعن الذاكرة التي كنت أحملها منذ مراهقتي والتي ظلت هي الباعث لهذه الدوافع المركبة. أمّا الثانية، فقد كتبتها حين عدت إلى القاهرة وهي تعيش حالة من التوتر السياسي لم تصل إليها من قبل: صور من سريبرينيتسا

والآن، وبعد انقطاع عن تدوين التجربة عدة أشهر، عدت للاهتمام بدراسة الإبادة من جديد، ولذا وجدتها فرصة مناسبة للعودة للتدوين عن مدرسة سريبرينيتسا. 

وصلت إلى سراييفو في 30 يونيو 2013، وتحديدًا في المدينة القديمة العثمانية (بشّارشيا). بدت لي سراييفو مدينة جميلة مسالمة آمنة ! لم أستطع تصور أنّ هذ المدينة كانت ساحة للحرب يومًا ما! وأنّ هذا اليوم ليس بعيدًا، بل إنّ ذاكرتي وأنا في الصبا لا تزال تحمل بعضًا من أحداثه.  انقضى يومي الأول وأنا أتمشى في أنحاء المدينة القديمة وفي أنحاء سراييفو. كان أمرًا باعثًا على الحزن حقًّا أن أرى المساجد والكنائس والكُنُس تتجاور في قرب، وأسمع أن هذه المدينة تدعى (قدس أوروبا)، ثمّ تقوم فيها حرب قائمة على الهويات! 

ابتدأ برنامج المدرسة في 1 يوليو في المؤسسة البوسنية هنا حيث استقبلنا محمد دوراكوفيتش مؤسس هذه المدرسة، وهو واحد من الناجين القلائل من الإبادة. 
انقضت المحاضرة الافتتاحية، وكان علينا أن نسرع لركوب الحافلة التي ستسافر بنا إلى سريبرينيتسا. وفي الطريق جاءتني الفرصة أن أتعرف إلى (نييدا) الفتاة البوسنية ذات الأعوام العشرين، التي لجأ بها والداها إلى السويد أثناء حرب البلقان. ثم عادت إلى المدرسة لتتعلم وتفهم تاريخ الحرب. 


المحاضرة الافتتاحية في المؤسسة البوسنية





وصلنا إلى سريبرينيتسا ومنها إلى قرية بوتوتشاري التي وقعت فيها أحداث الإبادة، حيث كان في استقبالنا مليحة التي تقوم على مشروع لسكنى الأطفال أثناء دراستهم في العام الدراسي ليكونوا بجانب المدرسة، وهو المشروع الذي أقمنا فيه. انقضى اليوم الأول من الأيام العشرة الحزينة التي تسبق جريمة الإبادة المتوحشة. 
ألقاكم في حلقة قادمة. 

سريبرينيتسا: منظر من أعلى

سور بيت من بيوت مشروع سكنى الأطفال الذي أقمنا فيه

هناك تعليقان (2):

  1. نريد المزيد في الحلقة القادمة

    ردحذف
  2. would you provide more information about the summer school? would one be required to be a researcher in a certain field to join? thanks

    ردحذف