السبت، فبراير 22، 2014

الثغرة الخالية


في "علم الكلام" كلام كثير عن حرية الإنسان، و عن أقدارالله، وعن مدى إمكانية أن يختار الإنسان فعله على الحقيقة. هناك موقفان حادّان تكونّا منذ فجر الإسلام في هذه القضية هما: القول بالجبر والقول بالقدر.  ( والقدر هنا أي الاختيار من باب تسمية الشيء بضده على عادة العرب).

 القائل بالقدر مرتاح فكل شيء يتم بتدخل العناية الإلهية ولا اختيار! وهذا عموم معتقد التدين الشعبي في ثقافاتنا. أما القائل بالقدر والاختيار فيقر بالأسباب البشرية وحرية اختيار الأفعال وبالتالي يقر بالمسؤولية الإنسانية. ولنضرب مثالاً، هب أن شخصًا عبر الطريق فصدمته سيارة فمات. فماذا سيقول القائل بالجبر ووماذا سيقول القائل بالقدر في هذا الموقف؟ القائل بالجبر سيقول هذا من القضاء والقدر وقد انتهى عمر هذا الشخص فمات، وبالتالي فلا مسؤولية. أما القائل بالاختيار فسيحلل الأسباب ويقول مثلا أن عابر الطريق لم يأخذ حذره فهو مسؤول، وأن صاحب السيارة لم يهدئ السرعة أو أنه كان منشغلاً بالهاتف، أو أنّ الفرامل لا يعمل بشكل جيد فهو مسؤول، وأنّ إدارة المرور لم تنظم الطرق بشكل آمن فهي مسؤولة وهكذا. وبالتالي، فالموت له سبب.

 لكن تبقى مشكلة لم يستطع أهل الاختيار والأسباب حلها وهي لماذا هذا الشخص تحديدًا هو من عبر الطريق، فصدمته سيارة فمات وليس غيره؟ لماذا كان عابر الطريق هو زيد وليس عمرو؟لماذا أسرعت السيارة في هذا الزمن المحدد وليس قبله أو بعده؟ هذه مشكلة كلامية (أو لاهوتية) عويصة لم يستطع مذهب الاختيار حلها. هذا هو السبب أننا عندما نسمع بخبر استشهاد أحد ثم نبحث فيما كتب أو قال فنجد أثرًا لتوقه ورغبته للشهادة، فنقول لقد عزم عليها فنجد السلوى والصبر للمصاب.

 هذه الثغرة الخالية من السبب والتي تنفذ فيها الأقدار سهامًا نافذة كفيلة بأن تجعل في نفوسنا رحمة وورع أن نفرح أو أن نشمت في موت أحد، أو نتجاهل موته وكأنّ شيئًا لم يكن، لأنّمن فر أو شمت ليس بعيدًا عن ثغرة القدر هذه التي من الممكن أن تختاره في أي لحظة بحكمتها!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق